هل هذا هو الموقف الطبيعي لحواء تجاه آدم: أن تكون ضدّه فيما يتعلّق بدوافعه وأفعاله إجمالاً بوصفه متهماً ابتداءً حتى تثبت براءته؟.
مهما يكن ما يتضمّنه السؤال من تعميم على قدر لا يخفى من المبالغة، فإن الإجابة على السؤال تعتمد بصورة أساسية على طبيعة ارتباط آدم بحوّاء.
نرشح لك: عمرو منير دهب يكتب: حواء والتفاصيل.. الفصل العاشر من كتاب "جينات أنثويّة"
لا ريب أن الصلة الأكثر احتقاناً بالمواقف الدرامية المتأجّجة على مدار تاريخ العلاقة بين الجنسين هي تلك التي تربط المرأة بالرجل بوصفه قريناً (حبيباً أو خطيباً أو زوجاً)؛ ولا نقول إن الاشتباك/الاختلاف في طبيعة الدوافع الانفعالية - ووجهات النظر من ثم – غير موجود لدى المرأة عبر صلاتها الأخرى بالرجل، ولكنه اشتباك/اختلاف لا يُقارَن بذلك الذي يَسِم صلتَها مع قرينها ويضع على تلك الصلة من التوابل ما يكفي لتفجير دراما واقعية ليست أدنى عمقاً ولا أوهَى شدّةً في الاشتعال من ذلك الذي نقرؤه في الإبداعات الأدبية المختلفة ونشاهده في الأعمال الفنية المتنوّعة التي نظنّها من نسج الخيال عندما تدرك درجات رفيعة ممّا نتلقّاه على أنه مبالغات تتجاوز الواقع "المنطقي".
بالعودة إلى السؤال الذي بدأنا به، وبالتركيز على علاقة حواء بآدم القرين تحديداً دون إغفال سائر صلاتها بـ"الأوادم" الآخرين من حولها، تلك الصلات التي تبدو حدّةُ اشتعال الدراما فيها أدنى كثيراً من تلك المنبثقة من علاقة القرينين، لا يمكن القول بأن حوّاء دوماً ضدّ آدم بصورة ابتدائية في كل المواقف – أو حتى معظمها – إلى أن تثبت براءته؛ ولكن من الممكن الوقوف بوضوح على ما يجعل ردود الفعل لدى حواء تجاه قرينها في كثير من الأحوال تتّسم بقدر أو آخر من المعارضة، أو الريبة بشكل أكثر دقة، وذلك بحسب طبيعة حواء وطبيعة قرينها آدم ومن ثمّ طبيعة العلاقة بينهما.
والحال كما عرضنا، لماذا تبدو حواء في حالة ارتياب شبه دائم من مشاعر وأفعال قرينها آدم؟ هل القرين "المسكين" يستحق فعلاً تلك الريبة المصوّبة نحوه؟ بالنسبة لآدم، تكاد تكون الإجابة على السؤال منحصرة في طبيعة التكوين البيولوجي الأنثوي، ذلك التكوين المختزَل تقليدياً في عبارة "العقل الناقص" – التي عادةً ما يُساء استخدامها وتفسيرها – وحديثاً في الاستدلال المغلّف بشرعية علمية متعلّقة بتقلّب الهرمونات الأنثوية بصورة دورية إلى درجة الاضطراب الحادّ.
مهما يكن الموقف من قبول ذلك التفسير (بشقّيه التقليدي والحديث)، ألا يبدو الضعف الأنثوي – الجسدي تحديداً - سبباً أكثر دقة ووجاهة لتفسير ارتياب حواء في مشاعر وتصرفات قرينها التي يمكن أن تفضي إلى خيانة من قبيل ما، وذلك دون أن ننسى ما أشرنا إليه في سياق مستقل من أن ذلك الضعف الأنثوي يستحيل إلى (أو هو بالفعل يتضمّن) قوة ضارية ولا ينعكس فقط بوصفه جمالاً أخّاذاً في أعين الرجال؟
ومهما يكن من تحديات استساغة تجرّع مفارقة "الضعف الأنثوي الخارق"، فإن امتياز الرجل من حيث إمكانية إقامته علاقات متعددة مع النساء – على اختلاف صورها المشروعة أو المتداولة بقدر من الخلسة باختلاف المجتمعات – عاملٌ لا يمكن تجاهله بحال في مقام تفسير الارتياب الأنثوي تجاه مشاعر آدم وأفعاله؛ وذلك بتجاوز المنطق الذي لا يخلو من الحكمة فيما تجسّده المقولة: كل جريمة خيانة يقوم بها رجل نصفها الآخر امرأة.
يظل امتياز آدم البيولوجي الصرف سبباً جوهرياً في الريبة الأنثوية تجاهه، فآدم – مهما تضعف قواه بتقدّم العمر – يبقى حتى النفَس الأخير من حياته (بقدر طفيف من المبالغة في التعبير) قادراً من الناحية العلمية الصرفة على الإنجاب، وهي مسألة لا يمكن تجاهلها من قِبَل حواء على هذا الصعيد بصرف النظر عن القيود العملية على أرض الواقع حيال تنفيذها.
ولكن ريبة/ضدّية حواء تجاه قرينها آدم ليست باستمرار بسبب إمكانية اقتحام حواء أخرى حياتَه، فقد تكون تلك الريبة/الضدّية بسبب تواجد "أوادم" كثيرين في حياته يشغلونه بقدر أو آخر عن الانصراف إليها والاهتمام بشؤونها؛ أمّا الغالب – والأشمل في سياق التفسير - على هذا الصعيد فهو أن ريبة/ضدّية حواء حيال آدمها القرين منشؤها اختلاف الدوافع النفسية في استقبال وتقييم الأمور بسبب اختلافات التكوين البيولوجي لكلٍّ منهما، وذلك بصرف النظر - في مقامنا هذا على الأقل - عن الاختلاف العميق في التأصيل العلمي والتفسير النفسي والفلسفي لطبيعة اختلافات آدم وحواء البيولوجية وما ينشأ عنها ممّا يصح وصفه بكونه وقوداً لمعركة/دراما وجود أزلية، وربما سرمدية.