(1)
كنت أنا و زوجتي و إثنان من أصدقائنا نتجول في مول شهير بمدينة نصر.. قبل السابعة بقليل قال لي صديقي هناك سحب على جوائز بالمشتريات الساعة السابعة… لدينا قسيمتين سنشارك بهما.. ذهبنا سويا لمشاهدة هذا العرض و ربما يكون الحظ حليفه…
على مسرح بسيط و صغير تم نصبه في الدور الأرضي من المجمع التجاري.. وقفت فتاة عشرينية صابغة شعرها باللون الأصفر.. و صابغة إحساسها و إسلوبها بلون الإعلامية المهمة التي ستسبب الربح لجموع الجماهير .. ممسكة بمكبر صوت عادي.. و بدأت حديثها بأعزائي المشاهدين … مشاهدين ؟ أي مشاهدين..؟ بحثت عن كاميرات فلم أجد سوى كاميرات موبايل تسجل هذه اللحظة… كانت متأثرة بشدة ببرامج التليفزيون التي كانت تشاهدها.. هناك مسرح و هناك جمهور.. يجب أن تقول أعزائي الحاضرين… هذا ليس مهما… هي واحدة من جيل طاهر القويري التي إعتادت على هذا الشكل و هذه اللكنة… قدمت الفتاة مدير العلاقات العامة في المول الشهير…. الذي عددً الهدايا التي تنقسم إلى قسائم شراء بقيم تتعدى الخمسة ألاف للقسيمة.. و تذاكر طيران… قلت لصديقي لنشاهد ماذا سيفعل شبيه طاهر القويري هذا.
(2)
وقف طاهر القويري إمبراطور البسكويت في التسعينات منتشيا في مكان بسيط أمام منضدة خشبية.. و بجوارة سيدة متأنقة بمقاييس التسعينات و مصففة شعرها بتسريحة شعر ذكر الأسد الشهيرة بتسريحة ميرفت أمين. ها هو سيبدأ السحب الآن في المسابقة التي جعلت أطفال مصر كلها و عائلتهم .. جعلت جيل بأكمله ينام على مرتبة من الأحلام المحفوظ تحتها أغلفة بدأت بالشمعدان و إمتدت لأكياس مساحيق الغسيل.. و أغلفة ورقية لمرقة دجاج شهيرة .. أحلام ينقصها جزء.. دائما هناك جزء ناقص… هي لا تكتمل أبدا.. و الربح يحدث للآخرين فقط. دائما ما كان ينهي فقرة توزيع الجوائز بجملة شهيرة.. حظ أوفر لكل اللي ماكسبوش.. المرة القادمة.
(3)
جلست جدتي مع قريبتها التي تمتلك أكبر متجر لبيع الجملة في شبرا.. و كانتا تتحدثان عن مسابقة مرقة الدجاج الشهيرة وقتها.. كل ما عليك أن تجمع أربع أجزاء تكوّن شكل جهاز كهربائي منزلي.. فتفوز.
قالت قريبة جدتي الطيبة و هي تسب.. دول نصابين ولاد كلب.. أنا فتحت كل الصناديق اللي فيها علب المرقة.. و فتحت كل المكعبات.. فيه ربع مش مطبوع أصلا في كل الأجهزة. دوّرت في أكتر من أربع ألاف كرتونة و مفيش.. ما نابني غير التعب و تلزيق كل العبوات تاني.
كان حديثها هذا هو نهاية مشاركة عائلتنا في هذه اللعبة التي يطلق عليها مسابقة. يومها كنت أرى بعيني أمي تملأ كرتونتين من الأغلفة و تلقيها على السلم ليأخذها عامل القمامة.. أحلامي فقدتها هكذا ببساطة..
(4)
وقف مدير العلاقات العامة في المول الشهير و طلب مجموعة من الأطفال للسحب.. الغريب أن هناك فتاة واحدة كانت تملك أكثر من عشرين قسيمة مشاركة في السحب .. ربحت ثلاثة مرات… ربحت قسيميتي شراء بخمسة آلاف جنية.. و تذكرتي طيران درجة رجال الأعمال… و هناك شاب ربح مرتين .. قسيمة شراء بخمسة آلاف جنيه.. و تذكرتي طيران عادية.. من بين أكثر من ألفي قسيمة نجح إثنان فقط في حصد نصف الجوائز…
أظن أن هذا الحظ هو بالظبط ما تكلم عنه أحمد شيبة… ها قد رأيت بعيني شخصين لعب معهما الزهر
(5)
طاهر القويري.. رجل أعمال شهير من أصل ليبي.. يحكي المجتمع السكندري أساطير عن قصوره التي بناها من إمبراطورية البسكويت.. و بعدها تزوج من مندوبة دعايته التي كانت تتباهى بدعوة سيدات المجتمع المصري في قصرها و تترك السعر على الأثاث و مكان صناعته.. لتقسم للحضور أن هذه المفروشات ” لسه واصلة من ساعة من باريس”
في الوقت الذي كان المصريون ينامون على أغلفة منتجاته منقوصة الأجزاء.. كانت جميع أحلامه كاملة.
(6)
حسنا.. المذيعة تتسول التشجيع لتلك الفتاة التي حققت الربح ثلاثة مرات و كل الحاضرين يضربون كفا بكف.
لن نكسب أبدا… قلتها و أطلقت سبة إعتراضية حقودة… البنت دي حققت هاتريك.
وقتها ردد مدير العلاقات العامة الجملة التي كررها.. حظ أوفر المرات القادمة
(7)
المتاجرة بالأحلام هي أكثر تجارة رائجة في مجتمعنا.. إمنحني حلما يساعدني عليه منتجك.. إمنحني دعاية كبيرة.. لن أفكر أبدا في جودة المنتج أو أهميته أو مدى إحتياجي له.. سيكون الحلم هدفي و ليس المنتج.. تماما كما بيضة كيندر الشهيرة.. ثمانون في المئة على الأقل من الناس يشترونها من أجل ذلك الإحساس.. الربح.. يمكنك بسبعة جنيهات أن تشتري لعبة أجمل و أكثر قيمة من التي بداخل الشيكولاته.. و لكنك تريد هذا الإحساس.. و هذه التجربة… تجارة الحلم.. حلم الحصول على مكسب بدون مجهود.. حلم الحظ السعيد… حلم الحصول على أي رسالة غير.. حظ أوفر المرة القادمة. هذه المرّة ة التي لا تأتي.. أبدا