فارق هائل وكبير جدا بين إنسان يتعب الناس ليجدوا فيه أو له عيوبا وأخطاء ونواقص.. وإنسان آخر يتعب الناس كثيرا وطويلا ليجدوا له أى ميزة أو فضيلة.. فارق آخر وهائل جدا بين الإنسان الذى لم يعد كثيرون يلتفتون إليه وينتبهون لكلامه، لأنه لا يصرخ ويشتم ويسرف فى توزيع اتهاماته على الجميع.. والذى يسمعه الجميع مضطرين بينما يتمنون سكوته بحثا عن لحظة هدوء وصفاء وسلام..
ولست أكتب ذلك الآن، لأننى قررت إقامة سرادق عزاء وحزن لموت صديق وزميل كان إنسانا رائعا ورقيقا ومهذبا ومحترما ووقورا وصادقا اسمه علاء إسماعيل.. الصحفى والكاتب الكبير فى مؤسسة أخبار اليوم وأحد أهم وأنجح الصحفيين المصريين الذين قضوا سنين طويلة فى الإمارات.. فأنا أعرف أن غياب علاء إسماعيل ليس من شؤون الرياضة التى قد تشغل الناس وتثير اهتمامهم مهما كانت مساحة حزنى ووجعى أنا وكل زملاء وأصدقاء علاء إسماعيل..
لكن الذى يمكن أن يهم الناس فى هذه الحكاية التى انتهت أمس الأول بالرحيل والغياب هو الإعلام الرياضى أو الإعلام الكروى بالتحديد.. فكم الحزن فى عيون الكثيرين وقلوبهم لرحيل علاء إسماعيل.. كم الاحترام والتقدير وكل الكلام الذى قيل فى لحظة الوداع ومشهد الغياب..
كم الصدق الساكن كل كلمة وحرف وعيون وأصابع.. جميعهم دليل على أن النجاح ليس فقط شهرة ومالا ومناصب ونفوذا.. فهناك من يملكون المال والشهرة والرواج والسطوة والنفوذ لكنهم رغم ذلك لا يشغلون أو يعنون أى أحد.. وحين يغيب بالموت أمثال هؤلاء يصبحون كأنهم مصابيح نور انطفأت بالضغط على أزرار الكهرباء فلا أثر لهم أو بقايا.. وهناك من يقضون سنين يتوهمون أو يتخيلون النجاح هو أن يتحدث عنك الناس طول الوقت حتى إن كان حديثهم انتقادا وشكوى وخوفا وانزعاجا، بينما النجاح الحقيقى هو ألا يخافك الناس مع احترامهم لك وأن يسمعك الناس مهما كان كلامك قليلا وصوتك هامسا.. فالصحفى هو كلمة.. يقولها ويمضى فى هدوء.. والأمر كله لا يحتمل أو يتطلب ويحتاج كل هذا الصراخ والتمثيل وكل تلك الحروب والخناجر المغروسة فى ظهور الجميع..
ففى النهاية يذهب الكل إلى هناك.. الذى كان أو لم يكن.. الذى امتلك كل شىء والذى لم يملك أى شىء.. الذى نال كل الجوائز والأوسمة والشهادات والذى لم يلق أى شىء أو كان نصيبه التجاهل وعدم الحفاوة والاهتمام.. وكم تمنيت لو يدرك ذلك الذين لا يزالون يتخيلون أن نجاح الدنيا وفرحتها هو إثارة اهتمام الناس حتى بالأكاذيب وإشعال الحرائق.. هؤلاء الذين لا يزالون يفرحون بالدفاع عن الأهلى وشتيمة الزمالك أو الدفاع عن الزمالك وإهانة الأهلى فينالون اهتمام عشاق الفريقين بين من يهاجم أو يدافع.. فليس هذا نجاحا يستحق أى فرحة أو تصفيق.. ليس أيضا نجاحا أن تبقى تشتم الجميع وتجرحهم وتسخر منهم ويبقون طول الوقت يخافون شرورك وأذاك.. وسيبقى علاء إسماعيل هو الدليل الواضح على صحة وصدق كل ذلك.
.