فاتن الوكيل
“من رقتها كانت تطرق درج المكتب قبل أن تفتحه”.. هكذا وصف الشاعر والصحفي الراحل كامل الشناوي، الإعلامية سلوى حجازي، أو “الوردة الحنينة”، كما أطلق عليها الشاعر فؤاد حداد، في القصيدة التي رثاها من خلالها، لكن الشائع فيما نعرفه عن حجازي، أنها “ماما سلوى” التي قدمت برنامج الأطفال الشهير “عصافير الجنة”، على التلفزيون العربي.
نرشح لك: ست الحبايب عزيزة حلمي.. الملايين نادوها بـ ماما إلا ابنها!
اختصار سلوى حجازي، في أنها الإعلامية الرقيقة، سطحية غير مقبولة، ولا تليق بشخصيتها، حتى إن كان الكثير من المشاهدين لا يعرف إلا ما يراه، ويُصدق ما يُشاع بأن مذيعات التلفزيون، يتم اختيارهن لمجرد “الشكل الحلو”، أو أسلوب الحديث واللباقة وفقط، لكن خلف الصورة الجميلة، والوجه البريء، يكمن تاريخ وتجارب وجُهد وشجن، فهي الشاعرة التي تميزت بكتابة الشعر الفرنسي، والإعلامية القديرة، ليست مجرد مذيعة للربط بين فقرات التلفزيون، بل قادرة إعلاميا على محاورة جميع الشخصيات من فنانين وأدباء كبار، وأطفال لم يكتمل وعيهم بعالمهم، بنفس القدر من الاحترافية، ناهيك عن التقارير المصورة التي قدمتها من داخل وخارج مصر.
حجازي أول من حصلت على لقب “ماما” في التلفزيون، ولا يجب أن يتصور البعض أن أي إعلامية وقتها كانت يُمكن أن تُلقب بذلك لمجرد أنها اول من قدم برنامجا للأطفال في التلفزيون العربي، فحجازي التي فتحت الباب بعدها لعدة “أمهات” أخريات، سواء عن استحقاق أم لا، نالت اللقب بعفوية الأطفال من حولها، ثم الأسر المصرية، التي اطمئنت على أبنائها في حضرة “الأم” سلوى حجازي.
وماما سلوى برغم طفولة وجهها، إلا أننا لا يمكن أبدًا أن نجد “ميوعة” في أدائها الإعلامي، خاصة مع الأطفال، فهي تُحدثهم كأنها تُخاطب فتيات وفتيان، تلعب معهم ألعاب ذكاء، بصحبة “أرنوب” الشهير، ولا يمكن إغفال القصة التي ينتظرها الأطفال بفارغ الصبر، والدليل على أنها لم تكن تتعامل مع الأطفال على أنهم كائنات ناقصة، أنها حين سئلت عن أبنائها، قالت بأن الأمومة صداقة وتوجيه غير مباشر، وأن لديها ابنة وثلاثة رجال صغار.
وبعيدًا عن عالم الطفولة، وفي الوقت الذي ظل فيه إجراء حوار مع السيدة أم كلثوم، هدفا بعيد المنال بالنسبة لكل صحفي أو إعلامي، انفردت سلوى حجازي بأول لقاء تلفزيوني مع “كوكب الشرق”، في التلفزيون العربي، وذلك عقب حفل أحيته في باريس، لكن السؤال هنا.. لماذا وافقت أم كلثوم على إجراء الحوار مع “ماما سلوى”؟.
المعروف عن أم كلثوم، أنها خجولة بشدة على المستوى الشخصي، فهل وافقت على لقاء حجازي، لانها تعلم بأنها لن تضغط عليها أو “تستفزها” لتنتزع من إجابات على الأسئلة، لأسلوبها الراقي الودود؟، أم أن الأرواح الخجلة تتقارب وتزول بينها الحواجز دون شعور؟، على أية حال، تبقى لدينا حوار قصير وممتع بين فنانة هي “رمز” لوطنها، وإعلامية قديرة “خفيفة على القلب”.
عندما سئلت حجازي في آخر حوار صحفي أجري معها، بمجلة “البلاغ” الليبية، قبل يومين من إسقاط الطائرات الصهيونية، لطائرة الرحلة 114 القادمة من بنغازي إلى القاهرة، والتي كانت على متنها “وردتنا الحنينة”، عندما سئلت عن البرنامج الذي تتمنى تقديمه في الفترة المقبلة، اختارت أن تظل بجانب “عصافيرها الحلوين”، وأن تُقدم حلقات أخرى من “عصافير الجنة”، موضحة أنه يقوم برسالة هامة جدا، ويؤثر على الأطفال تأثيرا كبيرا و مباشرا.
“ماما سلوى”، لم تر أن برامج الأطفال أمرًا سهلًا، والدليل أنها قدمت “عصافير الجنة”، بعد مخزون كبير من الثقافة والخبرة، اكتسبتها من مقابلات عديدة مع عظماء الأدب والفن المصري، مثل الكاتب بديع خيري، والفنانة نجاة الصغيرة، والضيف أحمد، وصلاح ذو الفقار، و”جارة القمر” فيروز، والشاعر نزار قباني، وغيرهم كثيرين، وهذا المخزون هو ما جعلها تستحق لقب “ماما”.
كما أن الجانب الشعري كان له تأثيرًا كبيرًا عى شخصيتها، وبالتالي طريقة تفكيرها، فيكفي أن نعلم بأن الشاعر كامل الشناوي، كتب مقدمة أول ديوان شعري لها، صدر بالفرنسية تحت عنوان ” Ombres et claret ” أو “ضلال وأضواء”، كما ترجم أشعارها كل من الشاعرين أحمد رامي وصالح جودت.
وعندما طُلب من سلوى حجازي في آخر حوار لها، اختيار أجمل فترة في حياتها، قالت إن لكل فترة مذاق خاص، لكنها في نفس الوقت استعانت بأبيات من قصيدة لها بعنوان “بائع بسكويت الفانيليا”، تقول فيها “أهكذا الدهر بنا يجري.. و يأكل العمر.. و لا ندري؟”، نعم هكذا يأكلنا العمر فجأة، فماما سلوى لم تختر الذهاب إلى ميدان الشهادة بقدميها، لكن الله دائمًا يختار الأفضل للأفضل، والنهاية الأنقى التي تليق بصفاء روح أصحابها.. الشهادة.