في السويد وفرنسا يسمون عيد الأم بعيد الأسرة، هكذا كان يُفَضِّل أن يسميه أبي “رحمة الله عليه”، ربما لإيمانه بأن الأم هي عمود الأسرة وهي الركن الأساس فيها وقوامها، نعم؛ فالأم هي الحبل السري والجنة عند الأقدام، هي الرحم التي تنبت منه الحياة، هي الحضن والحنان وثدي العطاء، الجلوس في حجرها يعني الملجأ والأمان والاحتواء، تُقدم عمرها وصحتها تضحية وتفانياً دون انتظار مقابل، ويكسرها ويقضي عليها عدم التقدير.
قد يتذكر أو يهتم كثيرون بتقديم الهدايا والعطايا في الفالنتاين داي، ولكن في عيد الأم يُهملون التعبير عن تقديرهم لأمهاتهم وسبب وجودهم في الحياة، تناسياً أو من منطلق أن الأم تسامح أو أنها لا تنتظر هدية، بينما الحبيبة والخطيبة والزوجة قد لا تغفر ذنب عدم إحضار هدية “عيد الحب” طوال العمر، ولو سقط ذلك سهواً لمرةٍ واحدة!!
الوالدان هما الركنان الأساسيان في حياة أي طفل، الأب يُؤمِّن المأكل والملبس والمسكن والحماية والتوجيه والإرشاد، والأم تملأ حياة أبنائها حباً وعطفاً ورحمة، إلَّا أن كثيرين يُحرمون من أحد الوالدين، وسأخص هاهنا من يُحرم من أمه، وذلك بسبب قرب قدوم عيد الأم..
كثيراً ما أتساءل حين تتردد أغنية ست الحبايب المليئة بالشجن: “ما وقعها على قلوب من فقدوا أمهاتهم؟!”، لابد أن الأب يُعَوِّض الغياب بطريقةٍ ما، أبٌ حقيقي يقدم كثير من التضحيات، أب يطهو الطعام، يُمشط شعر بناته صباحاً، ويغسل الثياب ويكويها ليلاً، ويُؤثر رعاية أبنائه على الزواج بامرأة أخرى تكن لأولاده زوجة أب وليست أُماً حقيقية بديلة، تُفَرِّق أكثر مما تجمع، وتبث الكراهية، أكثر مما تملأ البيت دفئاً وحباً وحناناً. لذا، فإن عيد الأم هو عيد أيضاً للأب الذي حمل على عاتقه تربية أولاده بعد أن فقدوا أمهم، فكان الأب والأم في آنٍ واحد، ولكن بالرغم من كل هذا تبقى حقيقة واحدة، وهي أن الأم تستطيع بحنانها ورعايتها أن تعوِّض غياب الأب، بينما الأب مهما قدَّم من تفانٍ في تعويض غياب الأم، إلا أن ذاك الغياب يبقى خنجراً مغروساً في صدور الأبناء، خاصة بحلول الأعياد، ومناسبات الخطبة والزواج.
يقول الأخصائيون إن معدل الألم الذي يتحمله الإنسان يصل إلى 45 وحدة ألم، بينما تتحمل الأم عند الولادة 57 وحدة، أي ما يساوي ألم كسر 20 عظمة، ومع ذلك فإن كثير من الرجال يستهين بآلام الولادة ويرون أن السيدات يبالغن في وصف الألم، لذا فقد خاض عديد من الرجال تجربة التعرض لنبضات كهربائية موجهة لعضلات المعدة بواسطة منصات خاصة تثبت على بطونهم، يحاكي ألمها ألم وتقلصات المخاض التي تحدث لبطن الأم الحامل، وتهدف التجربة لإقناع بعض الرجال ممن يظن أن آلام الولادة من الممكن تحملها، ولزيادة تعاطف الرجل مع زوجته الحامل. أكد كل من خاض التجربة بأن الألم صعب للغاية، وأبعد ما يكون عن الألم الطبيعي، ولم يترك لهم فرصة للتنفس، فيما أكدوا أنهم لا يريدون تجربة الأمر مرة أخرى، ولكن إن كانت ستثمر عن طفل كأطفالهم فإنهم يوافقون على القيام بالتجربة من جديد، معتقدين أن هذا هو الدافع الذي يجعل الأمهات يكررن تجربة الحمل والولادة أكثر من مرة، وهن على تمام العلم بمقدار الألم الذي سيواجهنه.
في العام 2014، أتاحت مستشفى الولادة “أيما” بالصين تجربة الإحساس بآلام الولادة، وقُدِّمت الخدمة من خلال ما أسموه “مخيم ألم الولادة”، للتعبير عن التعاطف، والمزيد من حب الزوج للزوجة، وتحكمت الممرضة برفع شدة الصدمات تدريجياً من 1 إلى 10، ولم يتحمل من الرجال الآلام، سوى رجل واحد وصل إلى درجة 10 وبعدها بدأ في الصراخ والتوسل من أجل إيقاف الصدمات التي لا تطابق العذاب الفعلي لآلام الوضع التي تتحملها المرأة لعدة ساعات، والتي تصل للمستوى 12 .
https://www.youtube.com/watch?v=PhbzDK58EZg
كما قام 3 رجال في مشروع أطلقوا عليه “3 آباء حوامل” بتجربة مشقة الحمل بارتدائهم بطن صناعية وزنها حوالى 15 كيلوجراما، لمدة شهر، وتوثيق مشروعهم لعرض التجربة على العالم، لمشاهدة التجربة اضغط هنا
لقد قرن الله حقه بحق الوالدين، وقرن رضاه برضاهما وقرن شكره بشكرهما قال تعالى:“أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير” .
لكلمة “الأم” ما ليس لكلمة “الوالدة”، كما قالت الأديبة مي زيادة »لأن في الأمومة معنى رفيعاً يسمو بالمرأة إلى الإشراق على النفوس والأفكار، فكل أم والدة، ولكن ليست كل والدة أمّاً، قال تعالى: “وَوَصَّينا الإنسَانَ بِوالِدَيْهِ إحسَانَا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهَاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهَاً” (الأحقاف آية 15)، وقال تعالى: “وَوَصّينَا الإنسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلتهُ أمُّهُ وَهْناً على وهنٍ” (لقمان آية 14) .
قال رجل لعبدالله بن عمر رضي الله عنهما : (حملت أمي على رقبتي من خراسان حتى قضيت بها المناسك، أتراني جزيتها؟ قال: (لا، ولا طلقة من طلقاتها).
قال أحد الفلاسفة: (الرجل يبقى طفلاً ويشيخ فجأة إذا ماتت أمه)..
هل وفيت حق أمك؟! بل هل وفَّيت حق أبويك؟ يا كل من لازال ينعم بصحبة والديه، أو من له جدة أو خالة أو عمة أو صديقة للوالدة، عليك عدم تفويت هذا اليوم دون التحضير والاستعداد له، ولو بخطاب صغير يُكتب فيه بعض كلمات الشكر والامتنان، وبالأخص للأم، والأب بالطبع، فهو ليس عيداً للأم، وإنما عيدٌ للأسرة.
.