لانا أحمد
محل صغير بأحد شوارع وسط البلد، تحمل جدرانه ومقتنياته الطابع الكلاسيكى للأماكن القديمة، فمازال يحمل رونق الخمسينات حتى الأن، إنه “وليم” الترزى الخاص والمحبب للساسة والإعلاميين والفنانيين فى مصر.
بداخل المحل يجلس الرجل الستينى مكرم وليم وشهرته “وليم”، عاكفا على صنع القمصان، بدأب وحب للمهنة، التى ورثها عن أبيه وليم، منذ أن كان فى التاسعة من عمره، حيث بدأ تعلقه بالخيوط الأقمشة وصنع الملابس.
بدأت شهرة محل “وليم” منذ الخمسينات، حين أنشأه وليم الأب عام 1958، أمام الإذاعة القديمة، فأكتسب شهرة واسعة بين الإعلاميين والفنانيين، الذين قصدوه لصنع قمصان خاصة بهم، ومنهم الكاتب طه حسين، ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، ومحمد سلطان، وكمال الطويل، وعبد الحليم حافظ، الذى مازال يتذكره مكرم الأبن، حتى الان، حيث صنع له بعض القمصان عند بداية عمله مع أبيه، واصفا العندليب بأنه كان “غاوى لبس”.
أمتدت شهرة وليم الأب، بين الساسة والمثقفين حتى أصبح الترزى الخاص بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ليتبعه مكرم أيضا مع من تلوه، متذكرا موقف مع أحد رؤساء مصر، حين طلبه بالاسم، بعد إعجابه بقميص سفير مصر فى ألمانيا، ليصبح بعدها المفضل لدى الوزراء ورجال الأعمال وغيرهم.
إبراهيم محلب، وعمرو موسي، وشريف إسماعيل، وعادل العدوى، وسعد الجيوشى، ومراد موافى، وأحمد أبو هشيمة، وكمال الشاذلى، وغيرهم من السياسين، والوزراء، ورجال الأعمال، وأعضاء مجلس النواب، والأسماء اللامعة فى السلك الدبلوماسى، وسفراء مصر فى الخارج، هم زبائن وليم، الذي نشات بينهم علاقة ودودة لم تقتصر فقط على علاقة عمل، فيحكى وليم أنه لم يحاول ابدا التدخل والتعليق على أمور سياسية تخصهم، مدركا جيدا حدود عمله، قائلا “التعامل مع أى شخصية سياسية فى حدود المعقول بيخليك تكسبها”، مضيفا أن بعض الشخصيات تأتى إليه فى محله، إلا إذا اقتضت الضرورة ليذهب هو إليهم.
يعرف وليم جيدا “الستايل” الخاص بكل إعلامى ، فالموديلات تختلف ما بين إبراهيم عيسى، ومحمود سعد، وعمرو الليثي، وعبد الرحيم على، ومحمد شردى، ومفيد فوزى، كما يحكى، فيقول أنه يعتمد على أختيار ألوان تتناسب مع ديكورات وإضاءة كل برنامج، ليظهر به المذيع على أكمل صورة، غير مكتفيا بذلك، بل يتابع معهم أيضا ظهورهم على الشاشة، ليبدى تعليقاته ونصائحه لهم فى الفاصل.
يترك زبائن وليم له، حرية اختيار الموديلات الخاصة، مرجعا ذلك إلى الثقة الناشئة بينهم، لأنه ليس فقط مجرد ترزى خاص بهم، بل صديق يثقون بذوقه وأختيارته فى الملابس.
أما الفنانين فلهم نصيب كبير من عمل وليم، ومنهم فاروق الفيشاوى، ورشوان توفيق، والراحل نور الشريف، الذى يعتبره وليم من أعز أصدقاءه، متذكرا مواقف كثيرة معه، حين كان يأتيه صباح يوم الجمعة، ليشرب معه فنجان القهوة، ويتحدثوا فى أمور كثيرة، بعيدا عن العمل، فكان مرضه ورحيله من المواقف الصعبة فى حياة وليم.
علاقة وليم بالفنانين لم تقتصر على صنع القمصان الخاصة بهم فقط، بل بالشخصيات الدرامية التى يلعبوها، فخصص جزء من وقته للجلوس مع المؤلف والمخرج، وقراءة السيناريو، لصنع الملابس اللائقة بكل شخصية، بحسب أحوالها الأجتماعية والعصر الخاص بها.
يرجع وليم سبب شهرته إلى دأبه فى العمل ودقته وانتظامه، حيث يقضى 12 ساعة يوميا، عاكفا على صنع قمصان، لشخصيات ليسوا مجرد زبائن لديه فقط، بل يصفهم بأنهم “مرايته” الخاصة.
.