وقف أحمد موسى مذيع قناة “صدى البلد” في انتظار وصول طائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى بكين ، قائلا في مقدمة برنامجه – من داخل إحدى ميادين العاصمة الصينية – : “هنا بكين حيث لايوجد فيس بوك ولا تويتر ولامظاهرات”
قالها متباهيا وسعيدا وكأنه يشير الى النموذج الأمثل في تعامل الدولة مع الاعلام … هكذا يجب أن يكون الاعلام في بلادنا
تقدمت الصين وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم وقوة لا يستهان بها ، بدون فيس بوك وتويتر وبدون حرية للاعلام
و المدهش أن مؤسس شبكة فيس بوك مارك زوكربيرج اضطر لدراسة اللغة الصينية لمدة ثلاث سنوات كاملة ليتقنها ، وولع مارك بالصين لم يتوقف عند تعلم لغتها، بل والزواج من زميلة له من أصل صيني
.. استطاعت الصين أن تنشيء أسوارا عالية وحصينة حولها وكأنها امتداد لسور الصين العظيم لترويض تنين الاعلام ، فتاريخ الصين هو نموذج حي يدرس لكيفية سيطرة الدولة على الاتصال
قديما كان الصينيون يمنعون بناء السفن القادرة على عبور المحيطات لتقليص التفاعل مع الدول الأجنبية ، مما كرس عزلتها لفترات طويلة ، واليوم بالرغم من اندماجها في الرأسمالية العالمية الا أنها ومنذ ظهور الحزب الشيوعي عام 1949 تفرض سيطرتها الكاملة النظامية على المعلومات والاتصال من خلال جهاز الحزب
… في الحقيقة ما دفعني للكتابة والبحث عن التجربة الصينية في الاعلام هو حوار دار بيني وبين أحد الصحفيين المفتونين بهذه التجربة ، أخذ صديقي يكرر ما قاله موسى و يدلل على أن النهضة التي حققتها الصين والتي وصفت بالمعجزة حدثت في ظل نظام حديدي أغلق الأبواب والنوافذ كلها أمام حرية الاعلام ، فحرية الاعلام – حسب رأيه – تؤدي لفوضى تغرق البلاد وتعرقل مسيرة التقدم !
يعمل الاعلام الصيني بطريقة توجيهية ارشادية كاملة في كافة مؤسساته مثل وكالة شينخوا للأنباء والتليفزيون الصيني المركزي cctv ، ومن آليات هذه الطريقة التوجيهية ما يطلق عليه ( اجتماع الافادة ) الذي يعقد بانتظام في كل المؤسسات الاعلامية الصينية ، حيث ينقل المسؤولون المكلفون بالتحكم في المعلومات تعليمات الحزب للجميع ، ويقيمون الانحرافات عن نهج الحزب ، وعندما لا يحضر صحفيون يعملون في المؤسسات الاعلامية الصينية اجتماعات الافادة ، يتلقون رسائل نصية قصيرة يبلغهم فيها المشرفون عليهم الأمور التي يتعين عليهم ألا يتناولونها بالتغطية
ففي أكبر دول العالم سكانا وفي مجتمع شديد التعقيد ، تستطيع لجان الحزب كبح أي انحراف في نشر الرسائل الاعلامية
و يتم اختيار من يعمل بوسائل الاعلام الصينية بعناية فائقة ، فالالتزام الأيدلوجي الصارم بخط الحزب هو جواز المرور الأول للعمل في مؤسسات الاعلام ، ولأخطاء الصحفيين ثمن كبير وفادح ، قد يؤدي لفقد وظائفهم حتى لو كان الخطأ بسيطا ، ووفقا لما يذكره مانويل كاستلز مؤلف كتاب ( سلطة الاتصال) فأي خروج للمذيع عن النص المكتوب ولو بكلمة واحده في تليفزيون الصين المركزي cctv يؤدي لتغريمه 280 يوانا
واذا كان النموذج الصيني للسيطرة على وسائل الاعلام التقليدية ( الصحف والتليفزيون ) شاملا ومؤثرا ، تثور قضية تطبيق هذا النموذج على الانترنت ، وكيف تنتشر تكنولوجيا الحرية في مجتمع تسيطر عليه الدولة ؟ وأكبر عدد من مستخدمي الانترنت في العالم من الصين ، فالمواطن الصيني غير مسموح له باستخدام محرك بحث غير “بايدو”، الذي أطلق عام 2000، تحت إشراف وزارة الأمن الداخلي الصينية ، بدأت رقابة الإنترنت في الصين مبكرا منذ الثمانينات، وقبل أن تفرض الصين الحجب على أي من خدمات الإنترنت حرصت الحكومة على توفير البديل، فبدلاً عن “تويتر” هناك “ويبو”، ويقدم نفس الخدمة لما يقارب 480 مليون مستخدم، وبديلاً عن خدمة التدوين الشهيرة “بلوجر” هناك “بلوج سينا” أما “يوتيوب” فتعرف “بيوكو” كأكبر منصة نشر مقاطع فيديو على الإنترنت
ويبقى السؤال كيف يمكن أن تتقدم دوله دون حرية سياسية واعلامية ودون اعتبار لحقوق الانسان ومن أبسط هذه الحقوق أن يفكر و يتلقى المعلومات دون حجب أو رقابة ، ويعبر عن رأيه كما يشاء ، والى أي حد تستطيع الصين أن تروض تنين الاعلام ، فحرية الاتصال حتمية تاريخية ستصل اليها المجتمعات كما يقول عالم الاتصال مانويل كاستلز
.. اطلبوا العلم والاستثمار والتكنولوجيا من الصين لكن لا تطلبوا الاعلام !
اقرأ أيضًا: