نقلاً عن جريدة “المقال”
كان وزير العدل الأسبق المستشار محفوظ صابر قد قال جملة عنصرية ملخصها: إن أولاد الزبالين لن يعملوا في القضاء.
فهاجت ضده مواقع التواصل الاجتماعي وأثمر هياجها عن إقالة الوزير، وللحق كانت الإقالة مستحقة من ناحية، وكاشفة ومبرزة لمرضنا العضال من ناحية أخرى.
مرضنا عبّر عنه الأبنودي في واحدة من قصائده الموجهة للرئيس عبدالناصر والتي قال فيها: “أشكيك لرب العرش والأكوان يا عبدالناصر / أنت السبب / عالجتني في الجلد وتركت العصب”.
ومن عبدالناصر وإلى السيسي، جميعهم يعالج الجلد ويترك العصب، لقد جرتْ إقالة الوزير محفوظ، ورفعتْ الأقلام وجفتْ الصحف.
لم يعالج أحد العصب، لم تسنّ القوانين التي تسمح للمتفوقين من أولاد الزبالين بأن يعملوا في القضاء أو غيره من المهن المرموقة، لم يفعّل أحد مواد الدستور التي تجرم عدم تكافؤ الفرص، لم يوقف أحد الزحف المقدس لأولاد المستشارين نحو غرف النيابة ومنصات القضاء، الجميع فرح بإقالة الوزير – وهذا علاج الجلد – وتجاهل عمدًا علاج العصب.
ثم جاء الزند ليخلف محفوظ في الوزارة، والمستشار الزند رجل يدور حوله كلام كثير ولغط أكثر، والسلطة التنفيذية كعادتها تقف موقف المحايد، لا تنفي الكلام ولا تثبته!!
وبمجيء الزند، انقسم المجتمع إلى ثلاث فرق رئيسية.
فرقة لم تشغل بالها بالأمر كله، مؤمنة بأن البلد ليست بلدها فلماذا تتعب نفسها بدس أنفها في شئون غيرها!!
وفرقة رفضت الزند لما حوله من لغط.
والفرقة الثالثة والأخيرة هللت وكبرت للزند، ووصفته بأسد القضاء.
وقد حاورت واحدا من هذه الفرقة وسألته: هل يحتاج القضاء إلى قوة وشراسة أم إلى حكمة وهدوء؟.
فرد: بل يحتاج للحكمة والهدوء.
فقلت له: لو كان هذا رأيك، فوصفك للزند بالأسد باطل.
فضحك وقال: لا ترطن مثل الطابور الخامس، الزند سيقتلع الإخوان!
أنهيت حواري معه خوفًا من أن يتهمني بأنني المسئول عن هزيمة المسلمين في غزوة أحد.
تواصل علاج الجلد مع الزند الذي انتهك العصب الذي هو الدستور أكثر من مرة، فهو يريد سنّ قانون يعاقب والديّ الإرهابي لأنهما في رأيه لم يحسنا تربيته، ثم هو يريد قتل آلاف الإخوان!
وغيرها من الانتهاكات التي لم تقابل بعاصفة رفض واستنكار.
ثم كان أن تورط في كلمة عابرة، فهم بعضهم أنه يقصد بها الإساءة لمقام الرسول الكريم، فعادت مواقع التواصل للهياج وعادت حليمة إلى عادتها القديمة في الفرقة والانقسام.
ففريق قليل عدده دافع عن الزند وقال إنه لا يقصد الإساءة.
وفريق أكبر عددًا بقليل من الفريق الأول قال: حتى لو كان الزند لا يقصد الإساءة، فيجب محاسبته على غيرها من الانتهاكات وهي كثيرة ومعلومة ولا يجب التلاعب بورقة ازدراء الأديان .
الفريق الثالث وهو قوة ضاربة وكثرة غالبة قال: إلا رسول الله، لقد وقع الزند بلسانه وتلك فرصة لن ندعها تفلت من أيدينا بأي حال من الأحوال.
تم للفريق الغالب ما أراده وعاد الزند إلى بيته.
فهل ربح أحد، أي أحد، أي مكسب كان؟
الحقيقة لقد خسرنا جميعًا، لم تربح العدالة شيئًا.
وبيان وجه الخسارة الفادحة التي منينا بها يتمثل في موقف الفريق الثالث، لأنه هو بذاته وبشحمه ولحمه الذي يرفض تطبيق قانون ازدراء الأديان على فلان أو فلانة من الأدباء والكُتاب والباحثين!!
ثم هو بنفسه الذي يلعب لعبة خطرة وينتهز فرصة الإيقاع بعدوه، راكلًا المبدأ والمعتقد.
هذا الفريق الغالب هو السبب الرئيسي في نكبة الأمة في نخبتها وطليعتها، الأمة ترى وتسمع وتشعر وتحس وتزن الأعمال وتفرق بين الحق والباطل وبين الثابت على مبدئه وبين نهاز الفرص، ولذا، فهذه الأمة لا تصدق نخبتها ولا تطيع طليعتها لأنها جربت كلامهم المناقض لأفعالهم.
لقد ذهب الزند وحتمًا سيأتي غيره ويبقىالمرض العضال على حاله، مرض الاكتفاء بعلاج الطفح الجلدي وترك السرطان يتوحش ويدمر الأنسجة والخلايا.
لو أن نصف، أو حتى ربع الذين هاجوا غضبًا من كلمة عابرة تلفظ بها الزند قد تكتلوا وضغطوا من أجل العدالة لا من أجل الأشخاص، ما كنا قد شهدنا انتهاك دستورنا الذي قلنا إننا سنفاخر به بين الدساتير.
.