هشام المياني يكتب: فردية ما "تمشيش" مع الإيطاليين يا سيادة الرئيس
لم أستوعب مطلقا ما ينوه إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي، في حواره مع صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية حول واقعة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر والذي تجري التحقيقات بشأن كشف غموض مقتله.
فوفقا لبيان الرئاسة أنه: “رداً على استفسار بشأن حادث مقتل الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني”، أكد الرئيس للشعب الإيطالي أن هذا الحادث كان صادماً للشعب المصري مثلما كان بالنسبة لهم، منوهاً إلى أن علاقات الصداقة بين الشعبين ممتدة وتاريخية، وإلى أن مصر حريصة على توفير الأمن والحماية لكافة زائريها، ومن بينهم الإيطاليون، وذكر الرئيس في حديثه أن هذا الحادث المروع والمرفوض من حكومة وشعب مصر هو حادث فردي لم يواجهه سوى مواطن إيطالي واحد من بين جموع الإيطاليين الذين يزورون مصر والذين تقدر أعدادهم بالملايين على مدار أعوام طويلة”.
فالسيسي هنا يردد ويبرر للإيطاليين الحادث الذي وصفه بالمروع والصادم، بأنه حادث فردي، فهو يتعامل مع الشعب الإيطالي بنفس المنطق الذي تتعامل فيه حكومتنا مع تجاوزات وزارة الداخلية في حق المواطنين المصريين حيث تبررها دائما بأنها حوادث فردية مهما كثرت وتزايدت.
الرئيس يتعامل وكأنه طالما أن الحادث طال شخصا إيطاليا واحدا من جموع الإيطاليين الذين يزورون مصر، فلا مبرر لكل هذه الضجة التي تثور حول الأمر.
السيسي هنا يتعامل مع الشعب الإيطالي وكأنه سيقبل بنفس المبررات التي تسوقها لنا الحكومة داخليا.
ليس هذا فحسب بل أن الرئيس استكمل حديثه قائلا: “أشير إلى اختفاء المواطن المصري عادل معوض المقيم في إيطاليا منذ خمسة أشهر دون الكشف عن أسباب اختفائه أو المتسببين فيه”، مؤكداً أن مثل هذه الأحداث الفردية لا يتعين اتخاذها كأسباب لإفساد العلاقة بين البلدين، ومنوهاً على أنه في أوقات الشدائد يُعرف الأصدقاء وتُقاس مدى متانة العلاقات.
فالرئيس هنا يلوح بمنطق المقايضة مع دولة كبرى صديقة لمصر وهي إيطاليا، وكأنه يقول لهم “إحنا ساكتين على المواطن المصري المختفي عندكم وانتو مش عايزين تسكتوا ليه؟”
وفي هذا التلويح كارثة أخرى وهي أن مصر غير مهتمة بمصير مواطن مصري من الأساس ولم تتحدث عنه أو تذكره إلا ردا على مطالبة إيطاليا وضغوطها، بحثا عن حق مواطنها الذي قتل في مصر.
ثم يتحدث السيسي عن أنه لا يجب اتخاذ هذه الأحداث الفردية كأسباب لإفساد العلاقة بين البلدين، في حين أن ما يقوله الرئيس هو الذي يفسد العلاقة، وعدم الشفافية، وانعدام الجدية في التعامل، أو التبرير غير المنطقي لمثل هذه الجرائم، هو الذي يفسد العلاقة تماما.
لم يتوقف الرئيس عند هذا الحد بل أكمل قائلا: “إن توقيت هذا الحادث يطرح العديد من الأسئلة ومن بينها توقيت الكشف عن الحادث أثناء زيارة وزيرة التنمية الاقتصادية الإيطالية لمصر على رأس وفد من ممثلي مجتمع الأعمال الإيطالي وفي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين البلدين زخماً سياسيا واقتصاديا غير مسبوق، وما إذا كانت هناك أطرافا لديها مصلحة لعرقلة هذا التعاون، فضلاً عن كيفية تعامل الجانبين المصري والإيطالي مع هذا الحادث، وأهمية تفويت الفرصة على تلك الأطراف”.
وهذا الكلام يحمل كارثة بمعنى الكلمة وذلك لأنه يتحدث بمنطق المؤامرة المسيطر على مصر منذ أكثر من 30 عاما وهي التي أودت بنا لهذه الحال، فضلا عن أن كلام الرئيس عن أطراف بخلاف أجهزة الأمن المصرية، كشفت عن الحادث واختارت توقيتا مهما ومحددا له لإفساد العلاقات بين مصر وإيطاليا، هو أمر مرعب ومخيف أن تكون هناك أطراف تتحرك في مصر بهذا الشكل والإمكانيات دون أن تمنعها الأجهزة المصرية أو تضبطها، فضلا عن أن أول من كشف عن مقتل الباحث الإيطالي كانت أجهزة الأمن المصرية، فهل أجهزة الأمن متآمرة على مصر؟
الأغرب من كل هذا أن الرئيس وجه رسالة إلى أسرة الباحث الإيطالي “ريجيني” أكد خلالها على إدراكه التام لمدى الألم الذي يشعرون به جراء فقد نجلهم، مقدراً حجم المرارة والصدمة التي روعتهم وأحزنت قلوبهم، ووجَّه إليهم الرئيس أصدق التعازي وخالص المواساة في وفاة نجلهم، معربا عن تضامنه معهم في مُصابهم الأليم، كما أكد مواصلة العمل مع السلطات الإيطالية لضبط مرتكبي الحادث حتى ينالوا جزاءً رادعاً بموجب القانون.
وهنا نسأل: أية تعازي تلك وأية مواساة يقصدها الرئيس؟
وهل يتصور أن تقبل منه أسرة الباحث الإيطالي التعازي والمواساة وهو يقول إن مقتل نجلهم حادث فردي؟
وأي جدية تلك وأي تضامن يتحدث عنه لكشف ملابسات الجريمة؟
المؤسف أن الرئيس قال هذا الكلام لصحيفة هي الأوسع انتشارا في إيطاليا، حيث تبلغ نسبة توزيعها خمسة ملايين نسخة يومياً، وفقا لبيان الرئاسة، أي 5 ملايين إيطالي سيقرءون هذا الكلام، ويجدون رئيس مصر يقول لهم إن مقتل جوليو ريجيني حادث فردي ولا داعي لـ”تكبير الموضوع”.
(نقلا عن جريدة المقال)
اقرأ أيضًا: