محمد أبو مندور يكتب: أهل تويتر (3) الرغايات

لا يمكن أن تدخل إلى عالم تويتر والتغريد إلا وقد صادفت إحداهن، أو أن تكون قد أصبت بإحدى قذائفهن، أو أن تكون قد أصبت بصداع من كثرة تغريداتهن، تلك الحسابات التي تجدها تغرد لمجرد التغريد ولمجرد التواجد ولمجرد زيادة عداد التغريدات الصادرة عن الحساب، وللأسف تلك الحسابات تملكها شخصيات أنثوية تتميز بغزارة الإنتاج يصحبها ضحالة في المحتوى في أحيان كثيرة إلا من رحم ربي، فتجد التغريدات من تلك الحسابات تلاحقك نهاراً وليلاً وظهراً وعصراً وفجراً، بلا ملل أو كلل وكأنها تصدر عن ماكينة مبرمجة تعمل بسرعة 10 تغريدات في الدقيقة وكلها لا تحمل مضموناً ما، وما يصدر من تلك الشخصيات، لا يتعدى وصفه سوى بالهذيان الناتج عن الفضيان، وهو أمر قد نتج عنه المزيد من التغريدات عندما يحدث حوار ما، فتجد أن خبرا ما قد تحول -بقدرة قادر- إلى كارثة طبيعية من وراء القراءة الخاطئة أو عدم الفهم الحقيقي لمعنى الكلمات، وترتب على ذلك استنتاجات وتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، الأمر الذي يجعلك تشعر بالشفقة على من دخل في حوار لتصحيح الفهم أو لنقاش الفكرة مع تلك النوعية من الحسابات.

لا يقتصر الأمر على التغريد عن أنواع الطعام التي تقوم بإعدادها اليوم، ولون طلاء الأظافر الذي تستخدمه لحضور حفل تخرج ابن جارتها من ال KG-1، بل من الممكن أن تجد تغريدات متلاحقة عن برنامج تلفزيوني تتابعه في أثناء إعدادها للطعام الذي ذكرناه سابقاً، ناقدةً للبس المذيعة والديكور الذي لا يتماشى مع لون طلاء الأظافر الذي تستخدمه في تغريدة سابقة أيضاً. ولا يتوقف الأمر على التغريد في المنزل والإفادة بكل الأنشطة المنزلية، بل يمتد إلى الشارع، فاليوم نعاني من طقس سيء وكيف تعاني من الزحام المروري، وتلك شخصية مريبة قابلتها اليوم وذهبت للكوافير، وتناولت الإفطار مع صديقاتي في الكافيه الفلاني، وتسوقت في المول، وتشاجرت مع هذا وعدت إلى المنزل والحمد لله، ولماذا يقول الشيخ الفلاني أن هذا حلال أو حرام.. من سمح له ومن سأله وطلبة المدارس يعانون من الحر والكهرباء غير منتظمة وأبنائي يذهبون للدرس الخصوصي بالشيء الفلاني ولماذا هناك إهمال في نوعيات الأكل المستورد كالكافيار وأنا لا أفهم ما يقوله الناس عن المسلسل الفلاني فأنا لا اتابع تلك التفاهات!… هل تعبت من تلاحق الأحداث فلتأخذ نفساً عميقاً فكل ذلك موصوف لك وموثق بالصور ومطعم ببعض الريتويتات الخاصة بآخرين مشاهير للتوثيق بشكل ينافس المواقع الإخبارية، وللأسف لا ندري لماذا.

وهناك نوع آخر من الرغايات والذي يملأ الدنيا بتغريدات تبدو عميقة لكنها عبارة عن نقل لحكم ومواعظ معروفة من زمن سحيق وكأنها (جابت التايهة) من بنات أفكارها، وهؤلاء يسعون في غالب الأمر لتكوين صورة ذات ثقل ثقافي لهم لدى الآخرين، وهو أمر لا يفلحون فيه كثيراً. ينضم إليهم المغردون بصور فوتوغرافية يدعون أنها من تصويرهم الفوتوغرافي الاحترافي، بينما بنظرة متأنية وبقسط من الذاكرة تجد أن معظم تلك الصور موجودة على الانترنت مسبقاً، وفي بعض الأحيان ينشرون تلك الصور بدون أن يقوموا بإزالة العلامة المائية لصاحبها، فتجد في أسفل الصورة اسم المصور الحقيقي أو اسم الموقع صاحب الصورة.
لكل الرغايات على تويتر نستخدم مقولة عمنا بيرم التونسي لأهل المغنى بتصرف ونقول:
يا أهل الرغي دماغنا وجعنا … دقيقة (ميوت) لله.

هذه المقالات لا تتناول شخصيات بعينها وأي تشابه بين المكتوب وشخصيات حقيقية على التايم لاين هو من قبيل الصدفة.

للتواصل مع الكاتب من هنا 

اقرأ أيضًا:

محمد أبو مندور يكتب: أهل تويتر (2) المشككون واللجان

محمد أبو مندور يكتب: أهل تويتر (١) الرومانسيون والمصلحجية

محمد أبو مندور يكتب : أكتوبر من 42 سنة ‎

محمد أبو مندور يكتب: السارينة الزائفة

محمد أبو مندور يكتب: صفحات بعيدة عن الأضواء في مشوار نور الشريف

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا