(1) منة الله
شيء ما لا أعرفه حدث لمنة شلبي لم تعد بعده كما كانت. لعل الأمر بدأ قبل أربعة أعوام أو أكثر، لعله بدأ مع الثورة، لعله لم يرتبط أبداً بالسياسة، لكنه حدث، لتصبح بعده «منة» أكثر نضجاً، أكثر ألقاً، أكثر تركيزاً على موهبتها. يقول لي أحدهم إنه قابل «منة» في المركز الثقافي البريطاني تتلقى كورسات اللغة الإنجليزية، يقول آخر إن «منة» صارت أكثر اهتماماً بدماغها، لا أعرف يقيناً ما حدث، لا أعرف هل تألمت بسببه أم لا لكنني متأكد من حدوثه، وسعيد بالنتيجة…
لدينا ممثلة موهوبة استغلت منة الله لها، لتحاول تجديد جلدها وتقديم نفسها بشكل مختلف، هي منة شلبي، ومثلها قليلون.. جداً.
(2) نوارة ..
هذه الفيلم حقيقي جداً، بدءاً من (الجراكن) التي تذهب نوارة لتملأها لأن (الحي) ضحك عليهم ولم يدخل المواسير مكتفياً بالطوب السداسي بديلاً عن (سفلتة) الحواري، مروراً بـ(رمية) الغلابة في (مراحيض) مستشفيات الحكومة انتظاراً ل(سرير) فاضي وسطوة الممرضات وفسادهن وتمسحهن في (الدين) ولو بالاسم، وصولاً لطبقة (الأغنياء) وسكان (الكمباوند) من ذوي النفوذ والوزراء السابقين الذين أزعجتهم الثورة وهددت بقاءهم فسافر بعضهم وقبض على آخرين.
توابع الثورة، لا الثورة نفسها، كانت الخط الرئيسي المسيطر على الأحداث. عمود فقري لقصة حزينة امتلأت بالأمل الذي مات في النهاية. دهشة وعدم تصديق لإزاحة مبارك، ثم الكذبة الكبرى التي تمسك بها الغلابة في الثورة حين أقنعهم الإعلام واحتالت عليهم (شبه الدولة) آنذاك بأن (أموال) النظام السابق ستعود، وستوزع عليهم، ليصبح نصيب الفرد 200 ألف جنيه!!
(3) هالة خليل
لو لم تقدم المخرجة هالة خليل غير (أحلى الأوقات) لكفى لها ولنا. كان الفيلم (حالة) خاصة وبديعة في السينما المصرية، أعقبته لعنة (الفيلم الحلو) التي صاحبت هالة فيما بعد، فالكل في ذهنه أحلى الأوقات، وهي (تحب) بطلاتها، ولذلك لم ينجح (قص ولزق) تجارياً رغم (حدوتة) الهجرة والبحث عن أحلام أخرى التي غلفت الفيلم، ثم ها هو فيلمها الثالث تغلفه السياسة.
استفزني هذا التغليف، و(الأفورة) في تكرار عبارات البرامج ونشرات الأخبار، لكن ربما كان الأمر مقصوداً لأن الوضع الاستثنائي آنذاك كان مليئاً ب(الأفورة). لست ناقداً فنياً لكن عيني رأت (كادرات) حلوة، (قطع) موفق ومبدع في كثير من المشاهد، (ناس) حقيقيين، إدارة جيدة للممثلين أخرجت منهم أفضل ما فيهم وإن شعرت أن الخط الدرامي لدور عم عبد الله لأحمد راتب مبتور، هو والبنت التي اختصرت حياتها في الكلب وحمام السباحة. البشر في فيلم (نوارة) لحم ودم بلا افتعال أو تمثيل، شوارع من التي تربينا فيها ولازالت تربينا وتعلمنا أننا لا نعلم مهما ظننا أننا نعلم. لكن اللعنة مستمرة رغم أن الموضوعان مختلفان تماماً . ربما هي حالة النوستالجيا التي ستجعلك تقول: أحلى الأوقات كان أجمل، وربما (قتامة) القصة وزيادة جرعة السياسة. عموماً هالة موهوبة ولازلنا في انتظار الكثير منها.
(4) الممثلون
أمير صلاح الدين (حقيقي). موهبة لافتة يجب عليه في القادم أن يخرج من دور (ابن البلد ) و (الأحياء الشعبية) لأن لديه المزيد. رجاء حسين (القديرة) التي تشعر في وجع ضهرها برائحة (المرهم) الذي تدهنه لها حفيدتها في أنفك. شيرين رضا لم تضف الكثير للدور لكن الدور أضاف إليها ظهوراً مهماً في فيلم مهم. محمود حميدة كعادته (بيمثل وهو سايب إيده).. سهل ممتنع، كنت أنتظر من القصة أن تكون أكثر استغلالاً لقدرات هذا الرجل الذي يمثل وهو يستمتع بما يفعله ولا يؤدي دور والسلام. عباس أبو الحسن (مناسب) جداً لدور القاسي غليظ القلب الذي لا يتورع عن قتل كلب وهو يصرخ :”إحنا أسياد البلد”.. هو واحد من فريق (الضالين) الذين يريدون كل شئ ولا يتركون لغيرهم من المضحوك عليهم أي شئ، بل على العكس، يدفعونهم من سلالم الحلم حتى هاوية الواقع.
(5)
تقول نوارة لـ(ستها الصغيرة) محاولة التملص من تقديم الطعام لكلبها: “ما انتي عارفة اللي بيعمله فيا لما بيشوفني” .. ترد (الست الصغيرة) :ده غلبان، فتعاجلها نوارة: “ما هما الغلابة كده بييجو على بعض”.. فيما بعد ستدرك نوارة أن الوحيد الذي اعتنى بها في هذه (البلد) هو (الكلب)، لذلك كان مشهد (دفنه) من أصدق المشاهد في الفيلم. كانت نوارة تدفن الوفاء، تدفن أحلامها، وكانت المخرجة تدفن الثورة، أو ما تبقى منها (آنذاك).
نقلاً عن “الوطن”
.