نقلاً عن جريدة “المقال”
“نحن لم نفعل شيء خطأ.. لكننا بطريقة ما خسرنا”..
أظن أن هذا هو لسان حال أغلب صناع الصحف في العالم، تلك العبارة التي قالها الرئيس التنفيذي لشركة نوكيا في المؤتمر العالمي الذي عقدته لإتمام صفقة بيعها لشركة مايكروسوفت في نهاية العام المنصرم.
أغلب الصحف الورقية على سطح الكرة الأرضية تشعر بالخطر من المستقبل، ولديها دوافع كثيرة في ذلك منها ارتفاع أسعار الورق، وتراجع التوزيع، وعائدات الإعلانات، وسيطرة المواقع الإخبارية، وانتشارها الواسع، والسريع، وتقديمها خدمة مجانية للقارئ.
لكن فى مصر يجب أن نقلق أيضا من مستقبل الصحافة الرقمية أيضا، فعندنا أغلب المواقع تقدم نفس الموضوعات لذات القراء، وتتبع نفس القواعد، فهي تصرف ببذخ كى تبقى متقدمة دون أن تحقق استفادة مادية حقيقية من هذا التقدم، لكن في العالم المتقدم وتحديدا في أمريكا تجد أن الصحف الثلاث الكبرى وهي “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”يو إس أى توداى” لا تهتم بكثرة عدد القراء، وإنما تولي اهتماما خاصا للقارئ الذي يتابع الموقع يوميا، بل الذي يتصفح الموقع أكثر من مرة فى اليوم الواحد ويجلس عدد دقائق أطول من غيره، ولذا حين تسأل القائمين على المواقع الكبرى يقولون إن لديهم 50 مليون زائرا شهريا (المدهش أن بعض المواقع المصرية تتخطى هذا الرقم) وتقوم الجريدة الورقية بتوزيع ما بين مليونيين إلى ثلاثة ملايين نسخة يوميا.
وهناك عدة معايير تتبعها المواقع العالمية لتقييم نفسها، منها:
– أولا: “معدل الارتداد” Bounce Rate وهذا المقياس يحدد بدقة مدى إقبال القارئ على الموقع، ويفرق بين القارئ الدائم، وقارئ الصدفة.
– ثانيا: “مدة التصفح” time on site بمعنى عدد الدقائق التي يقضيها القارئ في تصفح الموقع، وعدد الموضوعات التي يقرأها.
– ثالثا: نوعية الجمهور الذي تخاطبه فيمكن لإدارة الموقع أن تعرف وبدقة سن القارئ ونوعه “ذكر أو أنثى”ومنطقته الجغرافية، ونوعية الجهاز “موبيل أم لاب توب” الذي يستخدمه أثناء تصفح الموقع.
– رابعا: “خطاب الأخبار” وهو عبارة عن مجموعة من القضايا والموضوعات التي يهتم القارئ بمتابعتها يوميا مثلا “معرفة أخبار الفريق الذى يشجعه” ويقوم الموقع بإرسالها إليه عبر البريد الالكترونى.
– خامسا: “عاداته في القراءة” بمعنى معرفة التوقيتات التي تناسبه خلال اليوم وذلك لنشر الأخبار التي تتناسب مع التوقيت بمعنى تكثيف نشر الأخبار السياسية صباحا والرياضية ليلا، وتعرف المواقع كل هذه التفاصيل عن طريق عدة مقاييس أشهرها مقياسى “جوجل أنلانتكس” (Google analytics) و”تشارت بيت” (chartbeat).
بالطبع هناك بضعة مواقع مصرية تعتمد هذا المنهج في العمل، وتُحقق أرباحا كبيرة، وانتشارا واسعا، رغم قلة عدد العاملين بها والإنفاق عليها، لكن تلك المواقع التي تلتزم بالمعايير الدولية قليلة قياسا على عدد المواقع فى مصر، بينما أغلب المواقع التي تتصدر قائمة الترتيب في مصر على “أليكسا” alexa -الموقع العالمي المتخصص في ترتيب المواقع- لا تعتمد على أية معايير سوى “الترافيك” وتنفق ببذخ على شراء الزائر الوهمي الذي هو عبارة عن ماكينة لا أكثر!
الكل يريد أن يصبح في قائمة أفضل عشرة مواقع مصرية من حيث عدد الزيارات، وتتنافس أغلب المواقع الإخبارية المصرية في فن صناعة الوهم وتحديدا المواقع التي تسكن قائمة المئة الأكثر انتشارا على مؤشر أليكسا لترتيب المواقع، أما المواقع التي لا تملك المال لتفعل كل ذلك غالبا في ترتيب متأخر خارج قائمة المئة موقع الأكثر زوارا على مقياس أليكسا الذي يقوم بترتيب المواقع الالكترونية.
البعض يدفع للفيس بوك مبالغ طائلة شهريا مقابل أن تمنحه البركة فورا أو اللعنة فورا، والبعض يدفع لشركات لشراء زيارات وهمية، وهناك من لا يملك المال ليفعل كل ذلك، وهؤلاء غالبا في ترتيب متأخر خارج قائمة المئة موقع الأكثر زوارا على أليكسا.
المدهش أن هذا لا يحدث فى أغلب الدول العربية، ومنها دول الخليج التى تستطيع الانفاق بسخاء من أجل أن تحتل المرتبة الأولى فى العالم خاصة أن ميزانيات تلك الصحف بملايين الدولارات لكنها تنفق على طباعة أفضل، وصحفيين أمهر، وتكنولوجيا أسرع، وتدريب متقدم، لكنها لا تنفق من أجل جذب القراء إلى الموقع الالكتروني.
فالصحف الإماراتية الكبرى لا تجد لها أثرا في المراكز الأولى في ترتيب المواقع الإخبارية بل إن المواقع المتقدمة هناك هي المواقع الأجنبية التي يتصفحها الوافدين، أما فى السعودية فالموقع الذي يتصدر هو موقع متخصص في شئون المحليات، وهو موقع “سبق” ولا توجد له صحيفة ورقية!
وأخيرا.. ليس بـ”الترافيك” وحده يقاس النجاح، فهناك مواقع ناجحة دون أن تحتل المراكز الأولى، وهناك مواقع فاشلة رغم أنها تقبع في العشرة الأوائل!
محمد توفيق يكتب : متى تهتم نقابة الصحفيين بالصحافة؟
محمد توفيق يكتب: كيف نجحت “التايمز”.. ولماذا فشلنا؟!
.