“زمان كانت القاعدة العامية أن تذوب الفتيات خجلًا عند سماع سيرة الزواج وعريس الغفلة وكل الأمور التي تتعلق بذلك، ويُستثنى من هذه القاعدة النجمة زينات صدقي التي كانت لا تزغرد لسماع كلمة عريس فحسب، بل كانت تلحِّن الزغرودة أيضًا.
ويُستثنى من هذه القاعدة أيضًا بطلة أغنية هذا الأسبوع “يا امّه القمر ع الباب” للمطربة فايزة أحمد التي خلعت (أي بطلة الأغنية) برقع الحياء وهدّدت أمها إن لم تسمح للخطيب بالدخول فستناديه هي، وتقول في مطلع الأغنية:
يا امّه القمر ع الباب نوّر قناديله
يا امّه أردّ الباب ولّا أنادي له؟!
ومن هذه البداية نستنتج عدة أشياء، أولها أن هذه الفتاة التي تروي الأغنيةُ حكايتَها هي فتاة يتيمة والدها متوفًّى، لذلك فهي تتحدث مع أمها في أمر الخطيب، ولم يكن هذا من شأن النساء وقتها عكس الآن، فالأب آخر من يعلم!
ومن تشبيهها الخطيب بالقمر نستنتج أنه طرق الباب ليلًا، ولكنها لم تحدد ما إذا كان هذا القمر هلالًا أم بدرًا حتى نحدد وقت الزيارة في أول الشهر أو في منتصفه.
وإضاءته للقناديل تدلّ على أن الشارع ليس به عمود نور واحد وأنه (أي الخطيب) على قد حاله، فلو كان ثريًّا كان بالتأكيد سيأتي لخطبتها بسيارة ملاكي ويستخدم مصابيحها في الإضاءة.
يا امّه القمر سهران مسكين بقاله زمان عينه على بيتنا
باين عليه عطشان وحد م الجيران وصف له قُلّتنا
أسقيه ينوبنا ثواب ولا أرد الباب يا امه؟!
وهنا تتلاعب الفتاة الماكرة بمشاعر أمها الطيبة العائدة لتوها من الحجاز وتوهمها أن الخطيب لم يكُن يراقب المنزل [تحرُّشًا] بها لا سمح الله، بل كل ما في الأمر أنه يشكو العطش وأحد الجيران وصف له قُلّتهم، وهنا يغيب عن فكر الأم الطيبة أن تسأل ابنتها ومَن أدرى ذلك الجار بحلاوة قلتهم وطعامة قلتهم إن لم يكُن حتمًا -أستغفر الله العظيم يارب- قد شرب منها!
وتنتهز الفتاة اللعوب غياب هذا السؤال عن فكر الأم الطيبة وتدغدغ مشاعرها مرة ثانية بقولها: سقاية هذا الخطيب ستعود علينا بالأجر والثواب العظيم.
لكن يبدو أن الأم الطيبة انتبهت أخيرًا لسلوك ابنتها “الشمال” وسألت منزعجة عن علاقتها بهذا الشخص الذي على الباب ماسكًا قناديله، فاضطُرت الفتاة إلى تأليف قصة أخرى وقالت:
بابُصّ م الشباك لمحته جاي هناك في طلعته الحلوة
نوّر عليّ وقال في عينيا كام موال وخدِّي كام غنوة
لا قدرت أردّ جواب ولا أردّ الباب يا امّه!
قال إيه كانت تنظر صدفةً من النافذة فإذا بها تلمحه وهو قادم، وبما أنها أشارت في حديث سابق إلى أنه يحمل قناديل فقد أكدت لأمها أنه نوّر عليها.
وإمعانًا في الكذب تقول إنه لم يأتِ بإيده فاضية، بل أهداني كام موال على كام غنوة “وصاية”، حتى اسمعي.. وبدأت تغني وتنادي “يا ليل يا ليل يااااا ليل”.
ويبدو أن الأم قاطعتها قائلة: “ياما جاب الغراب لامه”، واستخفت بهديّة الخطيب، إلا أن الفتاة أكدت أن هذه الهدية “كسرت عينها”، وذلك جعلها لا تستطيع ردّ طلبه في الدخول ولا ردّ الباب في وجهه.
يا امّه القمر ع الباب خبّط وقال يا احباب رُدُّوا على الخُطَّاب
ما عادش فيها كسوف يا امه اعملي معروف قومي افتحي له الباب
ولا أنادي له، أنادي له يا امه؟!
ويبدو أن الخطيب قد مل الانتظار فأصبح يطرق الباب وينادي أيضًا حتى سمعه الجيران والمارة في الشارع وتجمهروا لمعرفة سبب وقوفه أمام بيت “مافيهوش راجل”، أو هكذا يبدو من تفاصيل الأغنية، كما يبدو أيضًا أن الفتاة اعترفت لأمها بالحقيقة كاملةً وأنها على علاقة بهذا الرجل، وبعد هذه الفضيحة لم يعُد هناك داعٍ للخجل، وبدأت تبكي وتحايل أمها: “اعملي معروف يا امه”.
ومع تعنُّت الأم بعد كل ذلك عادت الفتاة للتهديد مرة أخري: “قومي افتحي له الباب ولّا أناديله.. هه؟!”، ولم تُشِر الأغنية هل فتحت الأم الباب أم خرجت الفتاة عن شعورها ونفذ [نفد] صبرها ونادته بنفسها!
وكان هذا هو التحليل المغنالوجي للأغنية الرائعة التي نعشقها جميعًا “يا امه القمر ع الباب”، أما الإبداع الترالالي فيمكنكم الاستمتاع به من خلال سماع الأغنية…