يا الله.. كم كنت أكرهه، بجسده الممتلئ ووجهه الضخم ووجناته الحمراء البارزة وشعره البني الذي يزيد مظهره غباءً، كان بحق مثالًا للطفل السمج، كان الكل يتملقه ويداعبه بسخافة تليق به، فهو حفيد مديرة المدرسة، طفل مدرستنا المُدلل، الذي لا يُجيد أي شيء ومهاراته لا تزيد شيئًا عن مهارات مقاعد الفصول، لكنه كان دائمًا يتصدر المشهد في أي احتفال أو تكريم… لقد كان هذا الفتى السخيف أول “كوسة” رأتها عيني.
بالأمس تذكرته، تمثل لي، بصوته المبحوح ونظراته الزائغة وثقته المصطنعة، تعلو وجهه ابتسامة مستفزة كالتي علت وجهه حينما اختارته وكيلة مدرستنا – مجاملة لجدته – ليحاور مدير المنطقة التعليمية في احتفالات يوم الطفل، وكأنه هو، يجلس بالأمس أمام أسطورة كرة القدم ليونيل ميسي، يحاوره بأسئلة تنم عن الجهل بقيمة الضيف ومكانته العالمية وتاريخه المكتوب بالذهب، أسئلة ساذجة مُصاغة بصياغة ركيكة لا تليق بالحدث، من نوع “ماذا ينقص الأرجنتين للحصول على كأس العالم 2018؟ الإمكانيات المادية ؟”
في هذه الأثناء، كانت روحي تحترق، ففي مصر وعالمنا العربي أكثر من 50 مليون شاب على الأقل يُمكنهم إدارة هذا الحوار بمهنية أعلى وحرفية أكبر، عشرات الملايين من الشباب الذين يُمكنهم دون بذل عناء، سرد تاريخ ميسي وأرقامه ووصف وشرح أهدافه وتحركاته، ورسم خط الزمني الذي استغرقه البرغوث الأرجنتيني كي يصعد إلى القمة… وأنا من بين هؤلاء.
من وجهة نظري، لقاء ميسي ببرنامج “Yes I’m Famous”، على قناة “MBC” مصر، أكبر سقطة وفرصة مُهدرة للإعلام العربي في السنوات الأخيرة، فقد أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن المال وحده لا يكفي لصناعة إعلام حقيقي حتى ولو كان هدفه الوحيد “الترفيه”.
للحق، سقطة فريق برنامج “نعم أنا مشهور”، ومسئولي قناة “MBC” مصر، أفظع كثيرًا من سقطة صحفية اليوم السابع التي فشلت في توجيه سؤال جيد للنجم ليوناردو دي كابريو عقب فوزه بجائزة أوسكار، فقد كان سؤال الفتاة لنجم هوليوود خلال حدث عابر، أما ميسي فكان ضيفاً على البرنامج “المُسجل” الذي استغرق تحضيره وصياغة أسئلته عدة أيام على أقل تقدير.
مرة أخرى، يؤكد الإعلام العربي، اهتمامه بأن يكون (أول من يفعل وليس أفضل من يفعل)، مجددًا يُعلن تفضيله للريادة الزائفة على جودة المحتوى وثراء المضمون، تارة أخرى نفتح الصندوق الفاخر المرصع بالأحجار الكريمة لنجده فارغا.
.