ياسر أيوب يكتب: الأوسكار.. يأتى أخيرًا إلى القاهرة

نقلًا عن مجلة 7 أيام

فى وقت تتراجع فيه أشكال كثيرة للميديا المصرية باستثناء الدراما التى لا تزال بنصوصها وأفكارها ونجومها ومخرجيها تقاوم وتحاول.. والإعلانات التى باتت الساحة الأكبر والأصدق للخيال والإبداع المصرى الحقيقى والجميل والمجنون.. وفى وقت باتت فيه معظم برامج التلفزيون المصرية الكبرى مجرد أفكار وقوالب وأسماء مستوردة سابقة التصميم والتجهيز وأصبح مهرجان القاهرة السينمائى مجرد شبح وذكرى ولون باهت وضوء خافت أمام مهرجانات الخليج بأموالها ونجومها الأجانب.. قرر عمرو قورة أن يخترع ما كانت تفتقده السينما المصرية كثيرًا وتحتاج إليه وتفتش عنه وتحلم به أيضًا.. المسابقة التى يجرى فيها كل سنة تكريم الأفضل والأجمل فى صناعة السينما المصرية.. من الفيلم الأفضل والمخرج والنجم والنجمة إلى باقى مجالات السينما وأساسياتها وتفاصيل كل فيلم على أى شاشة.. واختار عمرو أن يقيم مسابقته السنوية الجديدة على غرار حفل الأوسكار الأمريكى بكل قواعده وصرامته وفخامته وملامحه وتفاصيله.. وفى إحدى القاعات الكبرى بأحد فنادق السادس من أكتوبر.. أقام عمرو قورة حفله الجديد فى سنته الأولى بحضور كثير من نجوم وصنّاع السينما المصرية فى كل المجالات.. ويلزم قبل الحديث عن هذا الحفل وما له أو عليه.. التوقف أولاً أمام الفكرة وصاحبها.. فالفكرة جميلة وحقيقية وثبُت يوم الجمعة الماضى أنها ممكنة.. فكرة جاءت فى وقتها المثالى والضرورى جدًا لأكثر من سبب.. فلم يكن لائقًا أن تبقى السينما المصرية.. السينما الثالثة تاريخيًا فى العالم.. حتى الآن بدون مسابقة خاصة بها وجوائز سنوية لنجومها وصنّاعها تلقى التقدير والاحترام والاعتزاز أيضًا.. ولم يكن لائقًا أيضًا أن تستمر وتدوم تلك الحفلات والمسابقات التى تنتثر هنا وهناك طيلة العام تمنح جوائز عديدة للنجوم والنجمات معظمها جوائز متفق عليها مسبقًا وأحيانًا دون أفلام ونجاحات حقيقية ويجرى توزيعها على الجميع من باب المجاملة واللياقة والبحث عن الأضواء والرواج الإعلامى.. ولم يكن لائقًا أخيرًا أن تضم السينما فى بلادنا كل هؤلاء النجوم والكتّاب والمخرجين والمتخصصين والنقاد والمهندسين والفنيين والخبراء والمنتجين دون أن يملك أحدنا جرأة أن يختار كل سنة من هو الأفضل فى كل مجال.

أما صاحب الفكرة.. عمرو قورة.. فهو بالتأكيد يستحق الشكر والتقدير مثل أى أحد فى مصر لا يزال قادرًا على أن يحلم ويحاول.. يفكر ويبتكر.. يطمع طوال الوقت فيما هو أجمل ويدرك أنه لا أحد سيعرف النجاح الحقيقى إن بقى ناجحًا بمفرده.. ولا حلم كبيرًا سيتحقق ويكتمل إن بقى حلمًا فرديًا لا يتقاسمه كثيرون يصبحون شركاء فى التعب والقلق والإصرار والخوف والفرحة.. كما أننى مُلزم أيضًا بأن أشكر عمرو قورة على كل ما يمارسه من جنون.. فالجنون أحيانًا هو الحل.. وهو الأمل أيضًا.. فإذا كان العقل هو أن تمشى مثلما وأينما يمشى الناس فالجنون الجميل هنا هو أن تمشى وحدك فى طريق جديد لم يمشِ فيه أحد قبلك.. وإذا كان العقل يجبرك على أن تبقى مثل الآخرين حولك.. أفضل منهم أحيانًا وأسوأ أحيانًا أخرى.. أغنى قليلاً أو أفقر قليلاً.. أكثر أو أقل قليلاً فى الوجاهة والأناقة.. لكنك طوال الوقت فى نفس الدائرة مع الآخرين تدور مثلما يدورون وتتكلم بنفس مفرداتهم وتطبق نفس أحكامهم وتبقى أسيرًا لنفس أفكارهم.. أما الجنون فهو أن تكون وحدك متمردًا.. رافضًا لغة الآخرين ومنطقهم ورؤيتهم.. وليس مهمًا أن تنجح.. فقد تفشل فى النهاية لكنك ستكون قد تمردت وحاولت.. وهذه هى القيمة الحقيقية لأى حياة.. والقيمة الحقيقية والجميلة لعمرو قورة.

وليس معنى ذلك ألا أنتقد عمرو قورة ومسابقته فى عامها الأول التى كانت مساء يوم الجمعة الماضى.. بل العكس تمامًا.. فأنا سأنتقد لأننى فى نفس الوقت ونفس المكان وبنفس اللغة سأمتدح أيضًا.. ولأنه يعنينى كثيرًا وجدًا أن تنجح هذه الفكرة وأن تدوم وتكبر عامًا وراء عام.. ولأننى أحب عمرو قورة والذى يحب يعنيه أن ينجح الذى يحبه فيصارحه بما يظنه أخطاء حتى يمكن تلافيها مستقبلاً.. فالذى لا يحب هو فقط الذى لا يهتم أو يبالى أو يحرص على تصحيح أى خطأ وتجميل أى صورة.. ولكننى لن أبدأ بالنقد إنما سأبدأ بالمديح والثناء.. وأول ما أتوقف أمامه هو أنه كانت هناك ترشيحات كثيرة لكل جائزة لكن لم يكن هناك من يعرف أنه سيفوز.. وهو بالتأكيد أمرٌ جميل لم نكن نعرفه إلا فى حفلات الأوسكار وختام المهرجانات العالمية فقط.. ولم يأتِ كل هؤلاء النجوم للحفل لأنهم موعودون بالجوائز وإلا ما كانوا قد اهتموا وجاءوا أصلاً.. فيفوز النجم بالجائزة ويصفق له زملاؤه الذين كانوا يتنافسون معه على الجائزة.. كما أنه كان جميلاً أيضًا أنها مسابقة للسينما المصرية.. ليست مسابقة فى مهرجان دولى أو محلى وحقيقى أو زائف.. لكنها مسابقة مصرية فيها نجوم مصر ونجماتها وأفلامها.. وأقيمت المسابقة فى جو احتفالى أنيق.. المكان والحاضرون فى ثيابهم الرسمية.. لم تكن هناك نجمة قررت كما هى العادة أن تسرق الأضواء والاهتمام والكاميرات بفستان مكشوف وفاضح وعارٍ بأكثر مما يمكن قبوله واحتماله.. لم يكن هناك من حاول سرقة أى كاميرا بتعليق أو سلوك غير متوقع.. ولم نجد مصورى الصحافة والإعلام والشاشات يتكالبون على المسرح فى مشهد مصرى قديم ودائم وقبيح وردىء أيضًا.. ثم كانت هناك اللفتات الجميلة والصادقة مثل لحظة العناق الحميم والطويل بين أحمد حلمى وزوجته منى زكى بعد فوزها بجائزة الممثلة الأفضل عن فيلم أسوار القمر.. أو لحظة وقوف كل من فى المسرح وليس مجرد تصفيقهم حين جرى الإعلان عن فوز الراحل نور الشريف بجائزة الممثل الأفضل عن فيلم بتوقيت القاهرة.. وبالطبع كان هناك الاكتشاف الرائع والجميل فى شخص مذيع الحفل.. النجم الكوميدى الجديد أحمد أمين الذى أعاد فى ذلك الحفل اكتشاف نفسه وأعاد الكثيرون اكتشافهم له ولحجم وصدق حضوره وموهبته

وبعد ذلك أظن أنه من حقى الحديث عن سلبيات وأخطاء دون أن يغضب أحد أو حتى صديقى الجميل والعزيز جدًا عمرو قورة.. فأولاً لم يعجبنى أو يقنعنى الاسم الرسمى للمسابقة الذى كان.. جوائز السينما العربية.. فلم تكن هناك سينما عربية ولم تكن جوائز أو فائزون عرب.. والأفضل تغيير الاسم إلى جوائز السينما المصرية.. فهذا الاسم أجمل وأوقع وأصدق أيضًا.. والمصريون يحتاجون إلى هذه المسابقة بأكثر مما يحتاج إليها العرب التى تعدّدت وتضخمت وكثرت مهرجاناتهم السينمائية.. أيضًا أعتب على عمرو قورة وهو خبير التسويق والإعلام عدم اختيار اسم سهل وجميل لجائزته أو لهذا التمثال الذهبى الذى أخذه كل فائز وفائزة.. فلا أحد فى العالم كله الآن يقول إنه فاز بجائزة جمعية كتاب ونقاد السينما إنما يقول الجميع فاز بالأوسكار.. ولا أحد فى مصر سيقول إنه فاز بجائزة جوائز السينما العربية.. إلا إذا كان المقصود أن يقال الأوسكار على نفس هذه الجائزة.. وسيصبح ذلك فشلاً قد يؤذى هذه الفكرة الجميلة فى بداياتها.. فالتشابه مع الأوسكار قد يكون مفيدًا فى البدايات.. لكن لابد أن تكون للجائزة اسمها الخاص وأن يكون مصريًا وأن يعتاده الناس ويرددوه طوال الوقت.

أيضًا لابد أن ينتبه عمرو قورة إلى ضرورة إلزام كل فائز وفائزة بكلمة قصيرة يوجهها للجمهور عقب تسلمه الجائزة.. فجزء كبير من نجاح حفلات الأوسكار الأمريكية ورواجها هو تعليقات النجوم بعد فوزهم.. وليس جميلاً أن يتسلم معظم الفائزين جوائزهم على المسرح وينصرفوا فى سرعة وخجل وسكون.. كما أنه لم يكن جميلاً صوت المعلق الداخلى المبالغ جدًا وهو يعلن عن الجائزة المقدمة فى كل مجال وكأنه ممثل فى مسرح مصرى قديم منذ ثمانين عامًا.. ثم ما هى الحاجة لهذا المعلق أصلاً ولماذا لا يخرج للمسرح النجم أو النجمة التى ستقدم الجائزة وتشرح الجائزة التى ستقدمها وأبرز ترشيحاتها.. وكنت أتمنى أن يقدم ممثل كبير جائزة الممثل الأفضل وكذلك جوائز الممثلة الأفضل والإخراج أيضًا.. والنجوم الذين كانوا يعلنون أسماء الفائزين لم يكونوا يقولون عن أى فيلم كانت هذه الجائزة وهو أمر لا يليق.. ولم يكن لائقًا أيضًا ترشيح نفس الشخص لنيل نفس الجائزة عن أكثر من عمل.. فهذا يُضعف قيمة الجائزة.. وكان من الضرورى أيضًا أن يوجد أحمد أمين على المسرح أكثر من ذلك باعتباره مذيع الحفل.. وفى النهاية أعود وأشكر عمرو قورة وكل مساعديه ومعاونيه الذين من الواضح أنهم تفانوا وتعبوا كثيرًا وجدًا حتى تنجح الفكرة ويولد الحلم الكبير بمثل هذا الشكل الراقى والجميل.

اقرأ أيضًا:

بالدقيقة: تفاصيل اختطاف الطائرة المصرية من الأحدث للأقدم

هالة صدقي: المسيحيون مهمشون دراميًا

قائمة الفائزين بجوائز السينما العربية

تفاصيل المكالمة التي تسببت في إنهيار غادة إبرهيم

أجمل وأغرب الإطلالات في حفل ACA

هذه الأفلام استحوذت على جوائز السينما العربية

هالة صدقي عن أزمة توفيق عكاشة: أنا مع الذهاب للعدو

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا