تُحدّد بعض القوانين الإعلامية التي شرعت في أزمان سابقة لعصر الإنــتـرنت، مــقـدِرة قــــنـوات تلفزيونية أوروبية اليوم على مواجهة منافسة الإنترنت، بخاصة شركات تجهيز المواد الفنيّة عبر النت. ثمة نقاش اليوم في دوائر إعلامية أوروبية حول القوانين التي كان ينتظر منها أن تحمي الصناعة السينمائية في أوروبا، عبر تقليص ما يعرض من أفلام سينمائية في مساءات محددة على شاشات التلفزيون، على أمل أن يدفع ذلك بعضهم إلى التوجه نحو الصالات السينمائية، إذ لم يعد ممكناً في عصر الانفتاح الإعلامي الذي نعيشه، أن يُنتظر من القنوات التلفزيونية (خصوصاً القنوات الحكومية الأوروبية الأكثر تقيداً من غيرها)، أن تلتزم بقوانين، بل إنّ جدلاً حقيقياً قد حدث أصلاً على فاعليتها، حتى عندما نُفذّت للمرة الأولى في حقبة ما قبل الإنترنت والبث التلفزيوني الفضائي.
والحال أن قانون حماية السينما هو نموذج لذهنية سابقة، كانت تنطلق من أن التلفزيون هو الجهاز الإعلامي الأكثر سطوة، وأن تحجيمه أو تقنينه خطوة بديهية أولى لكل المحاولات التي كانت تتوخى الوصول إلى جمهور واسع.
ما يحدث اليوم، أن القوانين التي تحدد التلفزيون، وما أكثرها، تصب في مصلحة المنافس الشرس الآخر (الإنترنت) الذي لا تنطبق عليه هذه القوانين. ففي حماية السينما بالتحديد، هل يمكن تطبيق القوانين نفسها لحماية الفن السابع من شركات تزويد المواد الفنيّة عبر الإنترنت؟ بالطبع لا يمكن حتى البدء بالتفكير بالطرق التقليدية، فالنموذج الذي تقدمه هذه الشركات، يوفر الحرية الكاملة للمشاهد كي يتفرج على ما يشاء في أيّ وقت يختاره.
من القوانين والعادات التي لم نعد نراها على شاشات التلفزيون، فيما تنتشر وتزدهر على الشبكة العنكبوتية، حضور التدخين كطقس أو سلوك اجتماعي في الأعمال الفنيّة. ففي وقت تتحول الدعاية للتدخين والكحول إلى ما يشبه المحرم تلفزيونياً، لا نرى أي قانون في هذا الاتجاه على الإنترنيت. حتى أن موقع «يوتيوب» الذي يسير ضمن أجندة خاصة تراعي حدوداً أخلاقية معنية تركز في المقام الأول على الجنس والعنف، بعيد كل البعد من قوانين التلفزيون في ما يخصّ التدخين أو الكحول، والتي فرضتها أساساً كيانات إعلامية حكومية.
أمّا القوانين التي تحاول أن تنظّم الإنترنت فتواجه مقاومة وردود فعل قوية، بحجج الدفاع عن الحريات، ما يعرقل خطط تنظيم ما يحصل على النت، ويكرس مكانته كفضاء للتمرد والتجارب المبتكرة، فيما يُنظر إلى «التلفزيون»، كجهاز إعلامي من العالم الماضي، تقيده قوانين حكومية قوية، تفقده مرونته. وهذا أمر تمكن ترجمته عبر سلوك فئات الشباب، ذلك أنهم اختاروا – وكما تشير إحصاءات الأعوام الأخيرة – الإنترنت كوسيط أساسي يربطهم بالعالم الخارجي.
نقلًا عن جريدة الحياة اللندنية
.