الموضوع بسيط، فقط حاول توفير تلك الأدوات : حزام ظهر طبي، زجاجات شامبو القشرة الطبية الصغيرة ( حاول ألا ترميها حتى تصل إلى عدد يوافق طوله محيط خصرك)، قماش قطني (فانلات قطونيل) لتغليف زجاجات الشامبو، أسلاك كهربائية حمراء وخضراء ( لا تستخدم اللون الأزرق لتكون أكثر إقناعاً بجدية النسف )، وريموت صغير لجهاز يو إس بي الصوت في السيارة كجهاز تفجير، وبعد إقلاع الطائرة واطمئنانك أنك على ارتفاع آلاف الأقدام، اكشف عن حزامك الناسف وادَّعي أنك ستفجر الطائرة لو لم يتم الاستجابة لمطالبك، على أن يكون أول المطالب هو التوجه لوجهة غير مصرية ( حاول ألَّا تكون تركيا ضمن أفضل اختياراتك حتى لا تُحشر منذ اللحظات الأولى في صف الإخوان )، وتأكد أن تطلب اللجوء السياسي لدولة أوروبية كمطلب أساسي، و”سيلعب الزهر معك” كما رأى أو سخر أو تمنى كثير من المصريين أن كانوا ضمن المخطوفين على متن الطائرة.
أثناء تواتر الأخبار عن اختطاف طائرة مصر للطيران، ترافق مع تناقض التصريحات وتضاربها ” قلش المصريين ” وسخريتهم من تضارب التصريحات من جهة، ومن جهة أخرى تساؤلهم عن مدى ضعف القبضة الأمنية في مطار برج العرب قبل عرض فيديو التفتيش، إلَّا أنَّ المساحة الأكبر ظلت كبيرة أمام كمية الحسد والحقد على المصريين المختطفين كونهم نالوا فرصة الخروج من مصر ! الموضوع أخذ منحى غريب خاصة عندما بدأ تداول صورة الخاطف مرتدياً الحزام الناسف الوهمي مع أحد الأشخاص وكأنها ” سيلفي ” وهي في الحقيقية يوجد من يقوم بالتصوير وكأنها لحظة سمر في رحلة نيلية، كان من الواضح أن الشخص الذي بجانب الخاطف يحمل ملامح أجنبية، ولكن الصورة رُوِّجَت على أنه الراكب المصري متحدي الخطف وأول مُختَطَف يأخذ ” سيلفي ” مع المُخْتَطِف، حتى صورة المضيفة التي انتشرت مؤخراً يبدو عليها من علامات السعادة مالا يلائم أبداً ساعات من المفترض أن الذعر والرعب كان يقتل فيها القلوب !!
قصة خطف طائرة برج العرب خاصةً في جزئية تعاطف طاقم الطائرة والمختطفين مع الخاطف والمتمثلة في التقاط الصور معه، وتعبير أحد الركاب عن كيف ” كانت تجربة الخطف لذيذة “، ذكرتني بتعاطف واستجابة رهائن مبنى التحرير لمحتجزهم ” عادل إمام ” في فيلم ” الإرهاب والكباب ” والذي لم يُجَهِّز بالفعل لاحتجاز الرهائن منذ البداية كخاطف الطائرة، وإنما الصدفة هي من وضعته في ذلك الموقف، وإن كان فيلم الإرهاب والكباب قد انتهى بأن ذاب الخاطف مع المخطوفين عندما خرجوا جميعاً وسط الآلاف ونجا من الاتهام بتهمة احتجاز رهائن، فإن بطل فيلم الطائرة المخطوفة قد يستجيب له الاتحاد الأوربي في طلب اللجوء السياسي ويعامل معاملة المرضى النفسيين متلقياً العلاج في مستشفيات آدمية ويكون الزهر قد لعب معه أيضاً في ألَّا يتعرض لتهمة تكدير السلم العام، وتكون علامة النصر التي أشار بها بعد اعتقاله ليست دليلاً على اعتلال نفسي وإنما إحساس أكيد أنه في مأمن وقد وصل إلى مبتغاه.
لن أتحدث عن كمية ومستوى التهريج على كارثة اختطاف طائرة واحتجاز رهائن مصرييين كان من المفترض أن رحلتهم داخلية لا تتعدَّى الساعة، وذلك كون التهريج الأكبر يخص التناول الإعلامي بداية من التضارب في تداول سبب الخطف، كونه عاطفي باعتبار الخاطف قيس ليلى الذي يريد رؤية طليقته، وآخر سياسي كونه منتمٍ للإخوان أو معارض يريد الإفراج عن سجناء ( كما أفادت مضيفة الطائرة بأنه أعطاها ورق يحوي63 اسم فتاة يريد أن يتم إخراجهم من السجون ولم يحدد تلك السجون )، أو سبب طبي كونه مختل نفسياً نتيجة حرمانه من رؤية أولاده لأكثر من 24 سنة !!
العرض الإعلامي وتفاعل الناس الهزلي للكارثة أعاق الالتفات لأخبار لم يتم تسليط الضوء عليها بشكل كافٍ بالرغم من خطورتها، أحدها أن مقاتلات إسرائيلية اعترضت الطائرة المصرية المختطفة لمنع تحليقها فوق إسرائيل لحماية مجالها الجوي كما أفادت وكالة رويترز، والخبر الأكثر أهمية ولم نستمع لردود فعل مصرية بشأنه؛ أن روسيا لن تستأنف رحلاتها الجوية للقاهرة بعد اختطاف الطائرة المصرية في قبرص بعد مفاوضات جادة في الفترة الأخيرة، مما يبشر باستمرار أزمة السياحة.
لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة ولا من مشجعي نظرية ” بص العصفورة ” على الدوام، ولكن الأحداث الفجَّة التي توالت في الأيام القليلة الماضية من تصفية 5 أفراد فيما سُمي إعلامياً بالتشكيل العصابي المتهم بقتل ريجيني، والسيناريو المتهالك من عثورعلى متعلقات ريجيني بحوزة أحد اقارب المقتولين بعد مضي ما يزيد على شهرين من قتله، والقفز المستمر للدولار في السوق السوداء لما يقرب من 10.40 جنيه، وآخرها نبأ عزل هشام جنينة ليلة اختطاف الطائرة بعد كشفه قضايا فساد، وما صاحبها من موجة عنيفة من ردود الأفعال كون قرار العزل غير دستوري، وأن جزاء من يكشف فساد 600 مليار جنيه هو العزل والمنع والإدانة باتهامات واهية، كل هذا قد يوحي للبعض بأنه قد حان الآن لتفجير حدث جلل يثير الرأي العام لننعم بفاصل من الهجوم.
ولكن في النهاية تبقى حقيقة واحدة دائمة أن شريحة عريضة من المتابعين للأخبار ولمواقع التواصل الاجتماعي ذو تفاعل مخزٍ، إذ تجد كمية التفاعل فوق الطبيعي أو المتوقع في مسائل قد تبدو سطحية أو عابرة بجانب أحداث أخرى جِسام، في حين أن هؤلاء يصبحون في مشهد صامت يقطع سكونه صوت صرصار الحقل، أمام تصريحات التشنيع وتلفيق التُهم والتشويه لكثير من الوجوه، وعندما تتجلى الحقيقية ويظهر الحق ويزهق الباطل فكثيرون ممن سنوا سيوفهم ورماحهم على فيسبوك وتويتر لا يشاركون بخبر البراءة أو العفو أو التكذيب، وإن كانت عملية خطف الطائرة قد مرت بسلام ونجى كل المحتجزين، ولم نُصْدم بكارثة مأساوية ككارثة الطائرة الروسية المتفجرة في سيناء، إلَّا أننا أمام نوع جديد من التعبير عن الضغط النفسي أو اليأس من الحياة، فبطل القصة هنا لم ينتحر بتعليق وشنق نفسه على لافتة عريضة ضخمة على الطريق، وإنما عبَّر عن غضبه وضيقه بخطف طائرة معرِّضاً حياة الآخرين للخطر ضمنيَّاً، إلا أن الواقعة قد وُضعت في إطار كوميدي مما خفَّف من هول الموقف.