محمد الباز يكتب : حتى لا يقول الناس أن السيسي يسجن أصحابه

الواقعة سجلتها كتب التراث، والحديث منسوب لجابر بن عبد الله، فقد أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة بعد عودة المسلمين من غزوة حنين، كان النبى يوزع الغنائم على أصحابه، فقال له الرجل فى غلظة: يا محمد اعدل، فرد عليه الرسول: ويلك… ومن يعدل ان لم اعدل؟ لقد خبت وخسرت، فقام عمر بن الخطاب رضى الله عنه من مكانه وكان حاضرا، وفى غضب قال: دعنى يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فرده النبى بحلم وحكمة: معاذ الله أن يتحدث الناس أنى أقتل أصحابى.

ضن رواة الحديث علينا بذكر هذا الرجل، وتركوه لنا نشهد على اساءته للنبى وازدراءه إياه واتهامه بالظلم، فما الذى فعله فيه وبه النبى، لم يتعامل بغلظة ولا بعنف، ولو أنه ترك عمر بن الخطاب يقتله، ما لامه أحد، فقد أخطأ فى النبى المرسل المعصوم، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لكن النبى الحكيم أراد أن يعلم الجميع درسا، وهو أن الناس لا يؤخذون بزلات ألسنتهم، ولا يجب أن يعاقبوا بما عندهم من آراء، حتى لو كانت متجاوزة، ثم والأهم من ذلك كله أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان حريصا على صورته لدى الآخرين، يخشى أن يتحدث عنه الناس بما يسوءه.

لماذا لا يتعلم الرئيس السيسي من هذا الدرس النبوى العظيم؟

لماذا لم يبادر عندما كانت السلطة التشريعية فى يديه باصدار قوانين تحمى أصحاب الآراء والأفكار من السجن؟

لقد استجاب كثيرون لدعوته بتجديد الخطاب الدينى، خرجوا الى الناس بحديث لم يعهدوه، اعتبروا أنفسهم رجال الرئيس وأصحابه، وأدواته فى تنفيذ ما يريد وما يريدون؟

فلماذا خذلهم وتركهم عرايا تتخطفهم القوانين الجائرة، وكان يمكنه أن يعصمهم من الخسف والعصف والانتقام والشتويه والشماتة والتشفى.

لا يمكننى أن ألوم القاضى الذى حكم بحبس اسلام بحيرى أو فاطمة ناعوت أو أطفال ألمانيا المسيحيين، فهو يتحدث بلسان ما معه من قوانين، العيب فى القانون إذن، العوار فى النص، وإذا كان الرئيس يرى أن تجديد الخطاب الدينى فريضة واجبة، فإن تجديد الخطاب القانونى فريضة أوجب.

ما الذي فعله اسلام بحيرى؟ وما الذى فعلته فاطمة ناعوت؟ وما الذي فعله أطفال ألمانيا؟

زلت ألسنتهم، لا يمكن لمجتمع يريد أن ينهض أن يؤاخذ الناس بما تزل ألسنتهم، وإلا وجدنا أنفسنا جميعا فى ظلام الزنازين، فمصر الآن تعانى من أكبر حالة انفلات فى تاريخها، لا ضابط ولا رابط لأحد، الكل يخطئ، والكل يقع فى الزلل، أقدامنا جميعا تغوص فى مستنقع عميق، وإذا تغاضينا عن هذه الحقيقة، وقلنا: ما أجملنا، فنحن فى مشكلة حقيقية.

قد لا تعجبك طريقة فاطمة ناعوت الكاتبة والشاعرة، قد يستفزك أداؤها العام، قد يغضبك ما قالته عندما ذهبت إلى أن سيدنا ابراهيم عليه السلام لم يكن نبيا، بل كان أحد الصالحين، فماذا تقول عمن أنكروا وجوده من الأساس وعلى رأسهم طه حسين عميد الأدب العربى؟، فقد اعتبروه مجرد أسطورة من أساطير التاريخ التى نعيش فى أوهامها.

كان يمكن أن يكتفى المجتمع فى الرد على اسلام بحيرى أو فاطمة ناعوت بما كتب فى الصحف وأذيع على شاشات الفضائيات، بما يكشف أن ما قالوه ليس صحيحا من وجهة نظر أصحابه بالطبع، ثم نلتفت بعد ذلك الى همومنا ومشاكلنا الكبرى، لكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك لسبب بسيط، أننا تحولنا الى مجتمع متعصب غير متسامح، يميل الى العقاب والانتقام والتنكيل بمن يخالفنا الرأى، معتقدين أننا بذلك نتقرب الى الله، رغم أن ما يحدث ليس الا حالة من النفاق الدينى الممجوج التى لا يقبلها الله ولا يقرها، فالله لا يخسف الأرض بمن ينكرونه ويتطاولون عليه، فكيف يرضى بمن يفرحون بسجن وعقاب من يختلفون معهم؟

ستقول لى وما علاقة الرئيس بكل ذلك؟

هل تريده مثلا أن يتدخل فى أحكام القضاء؟

سأقول لك: حاشا لله فهذا ما لا نرضاه له ولا لنا، ولكن لأن من خرجوا مستجيبن لدعوته كان مصيرهم السجن، فسجنهم يقع وزره عليهم، لأنه كان يستطيع أن ينقى ثوب القانون من دنس المواد التى تحاصر حرية الرأى ولم يفعل؟ وكان يمكنه أن يستخدم حقه فى العفو عمن سجنوا، لكنه لم يفعل ربما خشية رد فعل شعبى غوغائى، وهو ما لا يجب أن يتوقف أمامه كثيراً، فما هكذا تدار الأمور.

لقد التزم الرئيس السيسي مكانه، عندما حدثه المثقفون عن ضحايا حرية الرأى فى السجون، رد عليهم بأن البرلمان يجب أن يسارع بسن قوانين تحمى حرية الرأى والتعبير، وهى خطوة رائعة، لكن تنقصها خطوات كثيرة، وحتى تأتى هذه الخطوة التى أعتقد أنها ستتأخر كثيراً، لا تأتى أبدا، تظل الصورة سوداء، وما يقال الآن ليس فى مصر وحدها، ولكن خارجها أن السيسى يحبس أصحابه، وهذا ما لا نرضاه للرئيس، فهل يرضاه هو لنفسه؟

اقرأ أيضًا:

محمد الباز يكتب: النظام والإعلام.. محدش فاهم حاجة خالص

محمد الباز يكتب: حقائق ومغالطات حول حوار الرئيس مع المثقفين

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا