عمرو شوقي يكتب: مذكرات صحفي ممسوح بيه بلاط صاحبة الجلالة (5)

وختامها ديسك

قبل سنوات من تشريفه بلقب “خطيب الثورة العرابية”، اختار عبد الله النديم لمسيرته الوطنية بداية صحفية، رأى في الصحافة وعاءً مناسبًا لاستيعاب طاقاته العريضة ومواهبه العديدة كـ”أظرف” مصري في التاريخ “ليست مبالغة”.

اصطحبه أديب إسحق إلى سليم النقاش الذي كان يصدر جريدة باسم “التجارة”. سأل النقاش النديم: هل يمكنك مراجعة المقالات من الناحية اللغوية، وتصويب الأخطاء النحوية؟

فرد: وتصويب الأخطاء الفكرية أيضًا!

بالطبع النديم –كعادته- يهزل، لكنه كان ممن قال عنهم صلاح جاهين: “فيه ناس تقول الهزل.. يطلع جد”. مرت الأيام العضال والليالي الطوال وأصبح هناك في الصحافة المصرية “مهنة” أظنها اختراعًا مصريًا أصيلًا، هي مهنة “الديسك”.

من يشغل هذه المهنة مهمته لا أن يصحح الصياغة لغويًا وصحفيًا فقط، بل “تصويب الأخطاء الفكرية” إِن فيها الصحفي سقط.

كديسك، لا أرتاح لزملائي من هواة التشنيع على المحررين الصحفيين وفضح أخطائهم. لا لما أملكه من طيبة، ولا لأنه لا تخرج من فمي العيبة، بل لأن لحم كتافنا من خير خطاياهم، فكيف لنا أن نرفص عطاياهم؟ وإلّا فقل لي علامَ ستتقاضى مرتبك لو توقفوا عن كتابة “يبدو” هكذا “يبدوا”، وأقلعوا عن نسيان زمن وقوع الخبر، وحصنوا تحقيقاتهم ضد المغالطات المنطقية الخزعبلية، واعتزلوا نشل الأخبار من المواقع الأخرى؟

هل هي دعوة إلى المحررين لاستمرار الأخطاء؟ لا، بل دعوة إلى الديسكاوية للتوقف عن الاستعلاء. إن من قرر العمل بالمجاري لا يجب عليه أن يكرر التأفف، ومن اختار امتهان التسول لن يُفهم منه ادعاء التعفف.

إذن هي تبرئة لساحة المحررين؟

إطلاقًا.

فإنما للصبر حدود، وكل ديسك له قدرة معينة على الصمود. أما أنا فصمودي يستمر حتى ينشل المحرر مادة صحفية من موقع آخر، أو أشعر أن المحرر يخطىء مع سبق الإصرار والترصد. ولكن كيف يكون الخطأ “مع سبق الإصرار والترصد”؟

أقول لك..

عندما يضع المحرر الهمزة على كل ألف وصل، وينزعها عن كل ألف قطع!

فإن لم يكن ذلك هو الإصرار والترصد، فماذا يكون؟

بلاش. هل تعرف الفرق بين “القضاء والقدر” و”المصيبة” في الصحافة؟

القضاء والقدر أن يكرر المحرر كتابة حرف الجر “إلى” هكذا “الى”، أما المصيبة فهي أن يكتبه هكذا “الي”!

أليس هذا إصرارًا؟ أليس ترصدًا؟

أليس استفزازًا؟ أليس تعمدًا؟

ولكن، هل يمكن أن يأتي زمن يكون فيه الصحفي بفنون الكتابة على دراية كاملة، وبأصول الصحافة على معرفة شاملة؟

قد تشهد الحلقة القادمة الإجابة عن هذا السؤال، لكن سأتركك الآن مع حكاية تؤكد عمق الأزمة.

ذات مرة انفعلت على صحفي كان لا يهتم بصياغة الأخبار جيدًا، على اعتبار إن فيه ديسك هيراجع! قلت له وأنا أشير إلى موضوعه: “فيه صحفي يغلط في الكلمة دي؟” فرد بثقة: “ما وزير التعليم شخصيًا غلطان فيها على صفحته”!

للتواصل مع الكاتب عبر “فيسبوك”

للتواصل مع الكاتب عبر “تويتر”

اقرأ أيضًا:

عمرو شوقي يكتب: مذكرات صحفي ممسوح بيه بلاط صاحبة الجلالة (4) 

عمرو شوقي يكتب: مذكرات صحفي ممسوح بيه بلاط صاحبة الجلالة (3)

عمرو شوقي يكتب: مذكرات صحفي ممسوح بيه بلاط صاحبة الجلالة (2)

عمرو شوقي يكتب : مذكرات صحفي ممسوح بيه بلاط صاحبة الجلالة (1)

عمرو شوقي يكتب: مؤامرة CNN لهدم «نظريةالمؤامرة»

عمرو شوقى يكتب: هل يكره الزملكاوية حسن شحاتة؟

عمرو شوقي يكتب: هل حصل “عفيفي” على مكافأة الدوري؟!

عمرو شوقي يكتب: أغنية “التالتة يمين” التي أزعجت نادي القرن

عمرو شوقي يكتب: انبهرت بإعلانات رمضان.. والنتيجة؟؟

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا