(1)
أيها القارئ :
هل عرفت أحدث تعريف للإنسان؟
لقد قيل مرة: إنه حيوان ناطق، ثم تبين أن الببغاء تنطق، وقيل إنه حيوان ضاحك، ثم تبين أن القرود تضحك، وقيل إنه حيوان عاقل، ثم تبين أن كل الحيوانتا تعقل، وإن كان العقل درجات، وحار العلماء طويلا فالإنسان كائن حي يأكل ويشرب وينام ويعقل كغيره من الحيوانات ولكن المؤكد أن هناك شيئًا يميزه عن الحيوان ارتقةى به حتى أصبحهذا السيد الذي يحكم الحيوان ويقهر الطبيعة، واحيرا اهتدى العلماء إلى التعريف الدقيق أن الإنسان حيوان ذو تاريخ….
فأنت تستطيع أن تصطاد فأرًا بنفس الطريقة التي اصطدت وتصطاد بها عشرات الفئان والسبب أنهم حيوانات ليس لهم تاريخ لولا تستفيد من تجربة؛ هي لا تعرف أن اليوم السابق دخل الفأر ليأكل الجبنة فأغلقت عليه المصيدة، ولا تدرك المغزى فلا تتحاشى ابدًا قطعة الجبنة…. كانت هذه كلمات الدكتور أحمد بهاء في كتابه الرائع “أيام لها تاريخ”.
(2)
بعد تولي الضابط في الجيش التركي محمد علي مقاليد حكم البلاد، التي سلمها له (متشطبة وعلى المفتاح آخر راحة) من عبر عنهم التاريخ الذي ساهم محمد علي في رأي كثير من الباحثين الجادين كالدكتور خال فهمي في كتابه الرائع “كل رجال الباشا” بأشياء كثيرة أبرزها الاهتمام بالمؤرخين في ذلك الوقت بكل الطرق الممكنة المادية والاستعراضية المسرحية إلى آخره، قرر التخلص من العائقين أمام إرساءه لحكمه التوريثي المنغلق وهم الزعامة الشعبية فألقى بها في غياهب السجون، ثم المماليك الذين خدعهم – وهو بيت القصيد – بأن دعاهم إلى حفل عشاء كبير استجابوا لهم برغم استشعارهم من فترة غضب الباشا من تسلطهم وفسادهم، ثم قتل ما يقترب – بحسب خالد فهمي – من قوادهم ما يقترب من الألف ، وأخرج حملتين الأولى والأخرى إلى الصعيد فاغتصبت البيوت والنساء وقتلت القواد والأتباع؛ حتى قطع دابر المماليك وقضي الأمر.
(3)
في 21 يناير 1881 يتلقى عرابي وزميلاه عبد العال حلمي وعلي فهمي دعوة للذهاب إلى ثكنات قصر النيل للتداول مع وزير الحربية في ترتيب الاحتفال بزفاف الأميرة جميلة هانم أخت الخديوي ولا يكاد الضباط الثلاثة يجتازون حتى يهجم عليهم الشراكسة يجردونهم من السلاح وإذا بهم أمام مجلس عسكري منعقد لمحاكمتهم، ولكن هاهنا كانوا قد احتاطوا للأمر فأحضروا بعض زملائهم وقفوا في الخارج يراقبون فلما رأوا ما حدث أسرعوا إلى إخبار وحداتهم فخرج الجنود على ضباطهم وانطلقوا لإخراج عرابي وزملائهم فأجروهم وهرب الضباط والجنود الشاركسة التابعين للخديوي وهرب وزير الحربية عثمان رفقي، وانطلقت ثورة 1881 المسماة ثورة عرابي.
(4)
لقد استفاد عرابي من التاريخ ولذا كان شخصية تستحق أن يسجلها التاريخ كنموذج للوطني الذي لم يرضخ للمحتل ولا لمن يعاونه، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الثائر؛ أن يكون واعيًا، أن يدرك دروس التاريخ جيدًا.
.