نقلاً عن جريدة الفريق
مصارعة المحترفين عالم مثير يلقي إقبالا منقطع النظير من ملايين الأطفال والمراهقين، لذلك بادرت معظم المحطات الفضائية بإنشاء قنوات خاصة -بعضها مجاني والأخر مدفوع الأجر -تعرض فيها أقوي نزالات الرجال وأشرس جولات النساء بالإضافة إلى مواجهات الأقزام التي تتمتع بجرعة كبيرة من الكوميديا.
هذه اللعبة العنيفة التي لا تلتزم بقواعد أو قوانين كانت في الأصل رياضة شعبية قبل أن تتحول بمرور السنين إلى عروض ترفيهية تدر أموالا طائلة على منظميها ولاعبيها الذين يعتمدون بالأساس على سيناريوهات محفوظة وتمثيل متقن يجعل المباريات تبدو وكأنها معركة حقيقية، بينما الواقع يؤكد أنها مجرد مشاهد تمثيلية محبوكة رسمت تفاصيلها ووزعت أدوارها قبل الصعود إلي خشبة المسرح!
المصارعون يتدربون في البداية على أداء الحركات الصعبة التي تتطلب قدرا كبيرا من القوة والمهارة، ثم يخضعون بعد ذلك لبرنامج تأهيلي خاص يتعلمون فيه القيام بخدع لا يمكن للمتفرج العادي أن يلحظها بسهولة وذلك لإضفاء جو من الإبهار والخيال على العرض الذي يتضمن تدابير كثيرة تهدف للحفاظ علي سلامة اللاعبين، لكن الأمر يخرج أحيانا عن حدود السيطرة نتيجة خطأ في تنفيذ إحدى الضربات المتفق عليها فتحدث الإصابات والكسور التي تجعل المشاهد يصدق أكذوبة هذا الصراع المزيف.
سأستعرض معكم بعضا من أسرار الحيل التي يستخدمها هؤلاء المحترفون مع شرح مبسط لطرق تنفيذها:
أولاً: هناك تنسيق كامل بين الخصمين في أثناء النزال عن طريق الإشارات بالعين أو بواسطة عبارات مختصرة يتبادلونها خلال لحظات الالتحام، لذلك نلاحظ أن كاميرات التصوير التليفزيوني لا تركز أبدا على وجهيهما في ذلك الموقف حتى لا يفتضح الأمر.
الحكم يقوم أحيانا بدور الملقن إذا نسي أحدهما جزء من دوره في السيناريو الموضوع ويتم ذلك وسط التحذيرات التي يلقيها عليه بعصبية مفتعلة.
ثانياً: أرضية الحلبة ليست صلبة كما نعتقد بل العكس هو الصحيح، حيث أنها مصنوعة من طبقات الفوم والقش المغلف بخشب رقيق فوقه مادة لينة تشبه المطاط، أما الجزء السفلي المغطى بقماش سميك فيستند علي سوستة عملاقة تتحرك إلى الأسفل بانسيابية عند استقبالها ثقل جسم اللاعب مما يقلل من أثر الصدمة عليه، لكننا مع ذلك نراه ينهض بعدها وهو يتلوى ألما إمعانا في سبك الدور!
ثالثاً: اللكمات التي يسددها المصارع لوجه منافسه ليست بالقوة المفرطة التي نظنها. لو كانت كذلك لكسرت أسنانه فورا وأفقدته الوعي لمدة طويلة. قبضة الضارب تكون شبه مفتوحة حتى تحدث صوتا مسموعا دون أن تسبب ضررا ملموسا، فضلا عن أنه يتعمد تقليل سرعه يده قبل أن تصل إلى الوجه مباشرة مما يخفف كثيرا من وقع اللطمة المفبركة التي تشبه مثيلتها في معارك الأفلام السينمائية.
رابعاً: عندما يصعد أحد الطرفين إلى الحبال ويقفز بكل وزنه فوق الخصم الملقي على البساط نتوقع جميعا أنه سيسحقه أو على الأقل سيكسر ضلوعه لكننا نفاجئ بالمضروب يقوم بعدها ويواصل اللعب بحيوية وكأن شيئا لم يحدث! النظرة الفاحصة ستبين أن القافز المدرب يهبط فوق زميله وهو مفتوح الساقين والذراعين حتى لا يلمس جسده سوي بالصدر فقط وبالتالي يصبح الأمر أشبه بالعناق الودي.
خامساً: الدماء الغزيرة التي تسيل من وجوه المصارعين خلال المواجهة بعضها يكون حقيقي نتيجة جرح من ضربة خاطئة أما الأخر فيتم تزييفه عن طريق استخدام كبسولات مملوءة بسائل أحمر يخفيها اللاعب داخل ردائه أو في السوار الملفوف حول معصمه، ثم يخرجها بطريقة غير ملحوظة في وقت محدد قبل أن يضغط عليها ما بين أصابعه لتفرز ما يشبه الدماء التي يتكفل العرق بنشرها على الوجه والجسم.
سادساً: التهديدات والتحديات التي يتبادلها اللاعبون لا تعبر عن الواقع في شيء، حيث أنهم جميعا أحباب وأصدقاء بحكم تعايشهم معا لفترات طويلة خلال فترة التدريبات المشتركة، يضاف إلى ذلك ميثاق المهنة الذي يحظر تعمد إصابة الزميل بشكل يمنعه من اللعب واكتساب الرزق. إذا ثبت مخالفة أحدهم لذلك يجبره الأخرون علي تحمل نفقات العلاج مع دفع التعويض المناسب وإلا تكتلوا ضده وثأروا منه.
سابعاً: الأجسام العملاقة والعضلات المفتولة التي يتمتع بها نجوم هذه اللعبة لا ترجع بالضرورة لالتزامهم بالتمارين الرياضية والتغذية السليمة، بل تعود غالبا للمنشطات والهرمونات التي يسرفون في تعاطيها من أجل الظهور بذلك المظهر المخيف الذي يعظم من شعبيتهم ويزيد الطلب عليهم. هذه العقاقير المحظورة تصيبهم دائما بالكأبة وتعرضهم غالبا لأمراض خطيرة قد تقضي على حياتهم في عمر مبكر.
ثامناً: الصوت المروع الناجم عن وقوع المصارع علي بساط الحلبة والذي يصدر لنا الأحساس أن عظامه قد تحطمت، يرجع إلى وجود ميكروفونات حساسة موصلة بأسلاك خفية مع سوستة الأرضية التي تتحرك لحظة السقوط فتعمل تلك الأجهزة تلقائيا وتضخم حجم الصوت بصورة تكاد تماثل دوي انهيار عمارة!
تاسعاً: الكرسي المعدني الذي يهوي به البطل على رأس زميله يكون مصنوعا من الألومينيوم الرقيق وليس الحديد، لذلك يعوج بكل سهولة عقب الضربة التي لا يتلقاها اللاعب فوق رأسه بل على يده الممدودة بسرعة البرق لمنع ارتطام الكرسي بجبهته…التصوير البطيء يبين تفاصيل تلك الخدعة بكل وضوح.
عاشراً: الطاولات الموضوعة أمام الحكام، والتي يرمي عليها المصارع خصمه بوحشية تكون مكسورة نصفين وملزوقة بعناية مما يجعلها هشة سريعة التفكك. لو دققنا النظر سنلاحظ أنه يتعمد دائما إلقائه في منتصف الطاولة تماما لأنها النقطة الأضعف من حيث القوة والمتانة بعكس الجوانب التي تكون أكثر صلابة.