دخل أسطفان باسيلى تاريخ الصحافة باعتباره النائب الذى تقدم عام 1951 باقتراحات بإصدار ثلاثة قوانين، تجيز للحكومة أن تعطل الصحف أو تلغيها بقرارات إدارية، إذا كان ذلك ضرورياً لوقاية النظام الاجتماعى، فأثارت عاصفة من الاحتجاجات، تضامنت فيها كل الصحف وكل الأحزاب السياسية، وكل النقابات المهنية والعمالية، بما فى ذلك المؤيدة للحكومة التى كانت قائمة، ونشرت صحيفة الحزب الحاكم قائمة شرف بالوزراء الذين يعارضون هذه التشريعات، خلت من اسم رئيس الحكومة وسكرتير عام الحزب الحاكم، وقائمة سوداء اقتصرت على اسم واحد هو اسم «أسطفان باسيلى».. ولم تهدأ العاصفة إلا بعد أن سحب مقترحاته.
شواهد كثيرة تؤكد أن جناحاً فى حكومة شريف إسماعيل يريد أن يضيف أسماء رئيسها وبعض وزرائها وعدد من النواب الذين يطبلون لها إلى القائمة السوداء، التى تصدرها أسطفان باسيلى قبل 65 عاماً، كان آخرها التصريح الذى أدلى به المستشار مجدى العجاتى، وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، لجريدة «الأهرام» يوم الثلاثاء الماضى، وقال فيه إنه نظراً لأن الجماعة الصحفية والإعلامية لم تتفق على لجنة محددة، تعكف على إعداد قانون الصحافة والإعلام الجديد، فإن وزارة العدل تعكف على صياغة المشروع حالياً، تمهيداً لعرضه على مجلس الوزراء والنواب بعد ذلك.
ورد مجلس نقابة الصحفيين فى مساء اليوم نفسه على تصريح الوزير ببيان عنيف، وصف فيه الادعاء بأن هناك خلافاً بين الجماعة الصحفية والإعلامية، حول تمثيلها فى لجنة الحوار مع الحكومة، وحول ملاحظاتها عن مشروع القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام – بأنه «مثير للسخرية»، ووصف تصريح الوزير بأنه يمثل ضربة قوية للدستور، وللتوافق الصحفى والإعلامى مع الحكومة، وتراجعاً خطيراً عن مطالبة الرئيس للجماعة الصحفية والإعلامية بأن تعد قانونها، وعن التزام الحكومة بأن القانون لن يصدر إلا بالتوافق مع الجماعة الصحفية والإعلامية.
وفى تصريح مضاد، كذب المستشار «العجاتى» ما نسبته له «الأهرام» قائلاً إنه لم يدل بتصريحات بهذا المعنى، وإنه ساءه أن تنسب إليه الصحيفة محاولة المساس بحرية الصحافة والإعلام، من خلال إقصاء نقابة الصحفيين واللجنة الوطنية لتشريعات الصحافة والإعلام، عن إعداد القانون. ويبدو أن المستشار «العجاتى» كان حريصاً على أن يرضى كل الأطراف، فقال – كما أشارت «المصرى اليوم» أمس الأول – إن الحكومة وافقت على مشروع القانون المنظم للهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، من دون أن يشير إلى أن هذه القوانين لا صلة لها بالقانون الموحد للصحافة والإعلام، الذى أعدته اللجنة الوطنية للتشريعات، أو يعترف بأن الحكومة قد أعدتها بعد إقصاء النقابة واللجنة، وتنوى أن تعرضها على مجلس الوزراء ثم مجلس النواب، وعلى المعترض من ممثلى الصحفيين والإعلاميين أن يضرب رأسه فى الحائط.
خلاصة الكلام أن المستشار «العجاتى» أراد أن يكذب تصريحه للأهرام فأكد صحته، وأن يتنصل من تهمة إقصاء النقابة واللجنة فاعترف بأنه أقصاهما، وأن يستبعد اسمه من القائمة السوداء التى يتصدرها أسطفان باسيلى، فسجله بها بالثلث.
ومن الإنصاف للرجل أن نقول إنه لم يكن – بالتصريح الذى أدلى به لـ«الأهرام» – يعبر عن نفسه فقط، بل كان يعبر عن سياسة الحكومة التى ينتمى إليها، لأن ما قاله فى تصريحه ورد فى البيان الذى تقدمت به إلى مجلس النواب، حكومة شريف إسماعيل، بشأن حرية الصحافة والإعلام، لكى تحصل على ثقته على النحو الذى شرحته فى المقال الذى نشر فى هذا المكان فى الأسبوع الماضى.
ومن الإنصاف للحقيقة أن نقول إن المستشار «العجاتى» هو – كما اعترف قبل ذلك فى تصريح له – صاحب النظرية الدستورية التى تدعو إلى تقسيم مواد الدستور الخاصة بالصحافة والإعلام إلى قسمين، يجرى تقنين الأول فوراً، وهو الخاص بتشكيل المجالس الثلاثة المختصة بتنظيم وإدارة شؤون الإعلام، ويؤجل تقنين الثانى إلى حين ميسرة، وهو القسم الخاص بالحريات والضمانات التى يكفلها الدستور، ومنها حرية إصدار الصحف بالإخطار، وحظر مصادرة أو تعطيل أو إغلاق الصحف وأجهزة الإعلام بأى وجه، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر والعلانية… إلخ.
والكرة الآن فى ملعب الجماعة الصحفية والإعلامية، وفى ملعب الوزراء والنواب الذين يحرصون على ألا تدرج أسماؤهم فى قائمة «أسطفان باسيلى» السوداء!
.