نقلاً عن جريدة الفريق
البرامج الرياضية المحلية شهدت طفرة أسطورية مع مطلع الألفية حين أدركت القنوات الأرضية والفضائية -المسموعة منها والمرئية -مقدار القيمة التسويقية لتلك المنتجات الإعلامية التي تجذب الجمهور والإعلانات التجارية داخل مصر وفي سائر الأقطار العربية.
أصل الحكاية يعود إلي أواخر الأربعينيات من القرن الماضي عندما بدأت الإذاعة في نقل مباريات كرة القدم علي الهواء مباشرة بصوت الراحل محمود بدر الدين الذي كان يقوم أيضا بأجراء حوارات مطولة مع اللاعبين عقب صفارة النهاية ، بعدها تولي الكابتن محمد لطيف المهمة و أستمر فيها حتي دخل الإرسال التليفزيوني إلي بلادنا عام 60مما أتاح له فرصة تقديم حلقات أسبوعية مصورة يستعرض من خلالها أهم الأحداث الرياضية المحلية و العالمية ، في المقابل كان هناك برنامج إذاعي شهير للمبدع القدير فهمي عمر يحلل فيه لقاءات الدوري العام بأسلوب شيق شد أنتباه الملايين من العشاق و المحبين. مع بداية حقبة الثمانينات ترأس فايز الزمر قطاع البرامح الرياضية بأتحاد الإذاعة والتليفزيون فأستأثر لنفسه بدور المذيع الأوحد لجميع الفعاليات المهمة بالداخل والخارج قبل أن يظهر الوجه الجديد محسن نوح ومن بعده المقدم الشاب وقتها هشام رشاد الذي حاز قبولا ملحوظا مكنه من خلافة الزمر في المنصب حتى اليوم. خلال نفس الفترة كان هناك موعد ثابت كل ثلاثاء تعرض فيه على شاشة القناة الثانية أقوي نزالات مصارعة المحترفين بمصاحبة تعليق ساحر للمتألق فريد حسن صاحب المصطلحات البسيطة البليغة التي ساعدت المشاهدين على فهم قواعد وقوانين اللعبة.
المرحوم قطب عبد السلام أحدث نقلة نوعية في الإعلام الرياضي حينما أبتكر أوائل التسعينيات فكرة برنامج (الكاميرا في الملعب) المعتمدة على تصوير كواليس اللقاءات وإجراء حوارات مع جماهير المدرجات. هذه التوليفة الجديدة لاقت إقبالا كبيرا زاد منه روعة إيقاع تتر المقدمة (لونجا 79) الذي قام بتأليفه الموسيقار هاني شنودة.
قناة النيل للرياضة خرجت إلي النور مع انطلاقة القمر نايل سات وحظيت في البداية بنجاح ملحوظ ناتج عن جودة الفقرات المعروضة على شاشتها، لكنها سرعان ما تراجعت وصارت خارج دائرة الاهتمام والمنافسة بعد أن صارت مجرد شركة حكومية تدار بعقلية بيروقراطية تفتقد لأبسط معايير المهنية، فضلا عن تعرضها لنقص في الإمكانات المادية حرمها من الاستعانة بالأجهزة الحديثة والكوادر البشرية المتميزة.
عصر السماوات المفتوحة شهد ميلاد الأستوديو هات التحليلية التي تسعي دائما وأبدا وراء هدف واحد هو تحقيق نسبة متابعة عالية تضمن للرعاة والمنظمين اقتناص أكبر قدر ممكن من كعكة الإعلانات التجارية، لذلك نراهم جميعا يتهافتون للتعاقد مع مقدم ذو جماهيرية عريضة ويتصارعون على استضافة أشهر نجوم الكرة السابقين دون النظر إلى مقدار كفائتهم في الشرح والتفسير.
أبرز سلبيات البرامج الرياضية الحالية تتركز في النقاط التالية:
أولا: كثير من المقدمين غير مؤهل لإدارة حوار ثري أو توجيه نقد بناء نظرا لضحالة مستواهم الفكري واللغوي الذي يدفعهم لإفتعال المشاكل وإثارة البلبلة بغية الحصول على موضوعات ساخنة يثبتون من خلالها وجودهم الضعيف. هؤلاء العابثون لا يلتفتون لحالة الأحتقان والتطرف الجماهيري التي وصلنا إليها نتيجة جهلهم وتعصبهم بل يهتمون فقط بالحفاظ على وظائفهم وزيادة مكاسبهم حتى لو جاءت على حساب أمن البلاد والعباد.
ثانيا: مناقشة القضايا الهامة-مثل شغب الأولتراس-يتم بطريقة ساذجة تخلو من تواجد أخصائيين في كافة المجالات المتعلقة بالمسألة المطروحة للحوار. لماذا لا يتم استضافة أطباء نفسيين من أجل عرض كافة الأبعاد السيكولوجية والاجتماعية التي أدت إلى استفحال هذه الظواهر السلبية؟ كيف لم يفكر أحدا في دعوة خبير قانوني كي يشرح للأباء والأمهات خطورة العقوبات التي ستوقع على أبنائهم حال انضمامهم لروابط محظورة؟
ثالثا: طاقم الإعداد في أغلب البرامج يعتمد بشكل مطلق علي نقل الأخبار من مواقع الإنترنت دون مراجعة أو تدقيق مما أسهم في نشر الإشاعات الباطلة. معظم المراسلون يتسابقون بطريقة همجية للحصول على حديث مع أحد النجوم وهو الأمر الذي أدي لوقع مشاجرات بينهم تخللتها ألفاظ نابية متبادلة لوثت أسماع الملايين. عدد من المخرجين المعروفين يتعمد تقطيع المشاهد المصورة بصورة تخدم وجهة نظره المنحازة لفريق بعينه.
رابعا: اللاعبون المعتزلون والمدربون العاطلون يعتقدون أنهم الأحق بتحليل المباريات باعتبارهم الأكثر فهما للأمور التكتيكية والفنية بحكم ممارستهم العملية، لكن الواقع يشير إلى أن أهم وأفضل الخبراء المتخصصين في الحديث عن شئون كرة القدم لم يرتدوا طيلة حياتهم شورت وفانلة، بل اكتسبوا خبرات النقد والتحليل عن طريق مداومة المطالعة والمتابعة لتغيرات وتطورات خطط وتقنيات اللعب في كل مسابقات دول العالم.
خامسا: المبالغة الشديدة في تطويل زمن البرامج والذي يصل أحيانا إلى ثلاث ساعات متواصلة من أجل الحديث عن مباراة مدتها تسعون دقيقة! الحقيقة أن المتفرج لا يستفيد أو يستمتع بهذا الحشو الفارغ لكن المنتجون وأعوانهم يصرون علي مط الوقت والفواصل بهدف إذاعة أكبر كم ممكن من الإعلانات، كذلك لاستقبال مداخلات المشاهدين التليفونية التي يتحصلون منها على نسبة عمولة عالية تضاعف من أرباحهم الخيالية.
سادسا: سيطرة كهنة الجيل القديم على مقدرات الظهور التليفزيوني حرم المواهب الشابة الواعدة من التعبير عن أنفسها والقيام بدورها في تحديث لغة الخطاب الإعلامي الحالية المليئة بالتعبيرات الركيكة والأستظرافات الرديئة التي تتجاوز أحيانا حدود اللياقة والأدب. أحمد شوبير هو صاحب المبادرة الوحيدة لتقديم وجوه جديدة كان منها: إبراهيم فايق وعمرو عبد الحق وشادي محمد الذي لم يحفظ الجميل وأنقلب على أستاذه.
برامجنا الرياضية مثل المناديل الورقية… ناعمة وقوية وكلها حنية!