هالة منير بدير
سأدخل في صفوف المتهمين ب ” الهري ” دون اختصاص، لأني هريت فيما قبل في موضوع جهاز كفتة فيروس سي ولم أكن طبيبة، وهريت في موضوع قناة السويس ولم أكن عالمة اقتصاد، وسأهري الآن وأنا لست بأستاذة قانون دولي ولا جغرافيا، فمن المعلومٌ مسبقاً أن أي رأي معارض لقرار الرئيس مُصَنَّف على أنه “هري” سواء جاء من مختص وخبير أم لا، وهذا في أخف وصف، حتى ارتقى الاعتراض مرتبة التخوين والسعي وراء هدم الدولة، وذلك كوني جرؤت واتهمت السيسي بالتنازل أو ببيع أراضي الوطن، ليتحول مفهوم الخيانة من خيانة بلد إلى خيانة فرد.
سينقسم مقالي هذا إلى قسمين، أولهما هو محاولة لرصد بعض الخرائط التي تُظهر الجزيرتين المصريتين ( وللأسف) داخل الحدود السعودية، والثاني هو تساؤلات أو ملاحظات عن كيفية استيقاظ الشعب المصري مفاجأً بأرضه التي يتغنى لها الشعراء في مواسم النصر في الحرب والتحرير واستعادة السيادة، يُكَيَّل منها بالجزر لتنتقل إلى ملكية دولة أخرى، في حملة شرسة ما بين مؤيد بانسياق أعمى خلف القيادة الحكيمة، وبين معارض ينبش فضاء الإنترنت لإيجاد وثائق منشورة أو تصريحات خبراء ثقة يؤكدون مصرية الجزيرتين.
بِدايةً لأني أستمع لكل الآراء وأحاول جاهدة الوصول إلى فهم حقيقة مايجري، فإني بحثت في الخرائط على موقع مكتبة الكونجرس اللينك الخاص بخرائط مصر لأجد العديد من الخرائط التي تم فيها ” تلوين ” جزيرتي تيران وصنافير بلون الحدود السعودية، مما يعني وللأسف أن الجزيرتين ضمن حدود السعودية على حد وصف الخريطة جغرافيّاً. وهذا على خلاف ما وجده السياسي والباحث المصري في جامعة برلين تقادم الخطيب، بعد أن قام بجهد عظيم محاولاً إثبات مصرية الجزيرتين، وذلك بنشر عدد من الخرائط التي حصل عليها من مكتبة برلين، وذكر بأن هناك خريطة بتاريخ 1870 ترسم حدود مصر وبداخلها تلك الجزيرتين رسمها أحد المستشرقين الألمان، وأخرى تُسمَّى الخريطة الروسية تقول بمصرية الجزيرتين سنة 1982، ولكن برؤية العديد من تلك الخرائط على موقع مكتبة الكونجرس، وبخريطة نشرها تقادم الخطيب ( وهو المعارض للتنازل عن الجزيرتين) وبأبسط قواعد قراءتها عن طريق ألوان الحدود فلقد لاحظت الآتي :
1. عند البحث عن خرائط للسعودية على موقع مكتبة الكونجرس تم إيجاد 471 خريطة، المتاح منهم للإطلاع أونلاين هو 14 خريطة فقط، مع العلم أن نسبة كبيرة منهم تندرج تحت وصف لشبه الجزيرة العربية ولمناطق من اليمن وفلسطين بتواريخ من 1800 حتى 2000، في مقابل 1787 خريطة أو وثيقة لمصر المتاح منها أونلاين 57 من تاريخ 1700 وحتى 1999.
2. يوجد خريطة بتاريخ 1885 جاء تلوين الحجاز وشمال السعودية فيها بلون تابع للحدود المصرية ( بالإضافة إلى الجزيرتين )، هل هنا نقول بمصرية الحجاز والشمال السعودي ووجوب ضمهما لمصر ؟!
3.يوجد خريطتان بتاريخ 1803 و 1851 ، جاء تلوين شبه جزيرة سيناء ( كاملةً ) كلون الحدود السعودية ( بالإضافة إلى الجزيرتين )، هل هنا نقول بسعودية سيناء وضمهما للسعودية ؟!
4. كيفية وتوقيت رسم هذه الخرائط، وعلى يد من، ومتى سُتَشكَّل لجنة من مختصين وخبراء في التاريخ والقانون الدولي للبَتّ في خرائط تعدَّدت وتناقضت في ترسيم الحدود بين البلدين بُناء على التتابع التاريخي للدول الحاكمة في تلك المنطقة والتي تمتد لقرون مقابل تاريخ حديث لتأسيس السعودية، وهل يُعتَد بها كوثائق رسمية إذا ما وصلنا إلى خطوة التحكيم الدولي؟!
5. ماذا عن تاريخية حيازة مصر للجزيرتين كحماية وسيادة، تاريخاً يمتد لما قبل تأسيس المملكة العربية السعودية، وماذا عن تأثير التنازل عنهما على الأمن القومي مقابل القيام ببعض مشاريع وُعِدنا بازدهار اقتصادي بعدها، مثلها مثل مشاريع آخرى لم يحدث الانتعاش الموعود معها ؟!
6. ما موقف مضيق تيران ( الواقع بين جزيرة تيران وساحل سيناء ) والذي يقع داخل المياه الإقليمية المصرية والذي يعتبر الممر الملاحي الحيوي الوحيد لمرور سفن الأردن والكيان الإسرائيلي ؟!
يعتبرون التساؤل عن مصير أراضٍ عاشت مصرية ومات عليها المصريون ” هَرْيَاً “، أليس التساؤل حق مشروع عندما يكون انتفاضاً لتراب أرض الوطن، الذي بين عشيةٍ وضحاها تحول من لون دماء الشهداء إلى لون علم السعودية ؟! قد نعتبركلام غير المختصين والإعلاميين على مصاطب القنوات الفضائية ” هرياً “، ولكننا نظل في نفس الحيرة ونحن أمام تصريحين متضادين لقامتين كبيرتين، هما الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل الذي قال بسعودية الجزيرتين في كتاب له، فيما قابله على الجانب الآخر تأكيد الدكتور محمد البرادعي على مصريتهما في مقال قديم له، ولكن الهري الأكبر يبقى محصوراً عن جنسية الجزيرتين، وليس عن طريقة وتوقيت نقل تبعية جزيرتي “تيران و صنافير” للسعودية دون إعلان عن مفاوضات سابقة، أو تمهيد للرأي العام أو العرض على البرلمان المصري !
أين دور مجلس النواب في الإطلاع على تلك الوثائق التاريخة المزعومة بملكية السعودية للجزيرتين، وهل سيتم تراجع القيادة عن التنازل عن الجزيرتين إذا ما ثبت أنهما مصريتان؟ هل نثق في مجلس النواب الذي يتضح للعيان كم التواؤم بينه وبين الحكومة ؟هل إذا ما وصل الأمر إلى استفتاء شعبي وفي أجواء من التخوين، هل نثق في النتيجة ونكون على تمام اليقين برفض التفريط في التراب المصري من شعب يرقص أمام اللجان ويُخوِّن من يعترض على رئيسه ؟!
.