علق الدكتور مصطفى حجازي، المستشار السياسي لرئيس الجمهورية السابق، على قضية جزيرتي تيران وصنافير ، بعد أن قامت الحكومة بإصدار بيانًا يؤكد أحقية السعودية في أن يكونا ضمن مناطق سيادتها، على إثر اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، مؤكدًا من خلال منشور له على موقع فيسبوك، أنه لم يحدث في التاريخ أن ساومت الأمة المصرية على أرضها، وأن الأرض بالنسبة للمصريين تساوي الشرف الوطني.
وإليكم نص التدوينة :
عن “تيران و صنافير” .. ما قبلهما و ما بعدهما .. !
بعيداً عن شبهة المكايدة السياسية و عن “زفة” المداهنة و التزلف .. و التى أراد البعض إقحامهما على قضية ترسيم الحدود و دعوى أحقية دولة شقيقة في جزيرتي تيران و صنافير .. و على غير الثابت التاريخي – فما يلزم أن نقرأه “في” قضية الجزيرتين اهم مما نقرأه “عن” حالهما الآن أو في المستقبل ..
وهذا ما نقرأه :
أولاً : مصر “القلب “ أو “المركز” – أو “الصغرى” – سمِّها ما شئت – دولة معلومة الحدود منذ خمسة آلاف سنة على الأقل .. لم تأتى حدودها وليدة صفقات حماية و لا بأقلام انتداب.. و مصر تلك تعرف مرتكزات أمنها القومي الواقع خارج حدودها الضيقة الى حدود الأمن القومي المصرى الاوسع و الممتدة من الحدود التركية شمالا الى باب المندب فى الجنوب الشرقى الى هضبة الحبشة جنوباً و الى عمق ليبيا غرباً .. و سمها مصر “ الكبرى” إن شئت ..!
ثانياً : لم يحدث في التاريخ المصرى المعلوم ان ساومت “الأمة المصرية” ناهينا عمن حكموا أرضها .. حتى في أتعس و أحط فترات تاريخها .. عن معلوم من حدود القلب المصرى بالضرورة.. بل كانت دائماً منطلقاً للتوسع حتى لمن احتلوها .. !
حتى من احتلوها لم يختزلوها .. بل اتسعت بهم لتكون قاعدة هيمنة ..!
ثالثاً: قضية الارض لنا كمصريين هى المكافئ الموضوعي للشرف الوطنى .. و القدرة على الذود عنها هى جوهر ذلك الشرف .. هذا ليس تعبيرى وحدى و لكن هذا هو التعبير الذي استخدمه أحد كبار هذه الأمة .. من زمن كان فيه كبار .. و هو الفريق الشهيد عبد المنعم رياض .. حين قال بأن لو لم نستعد أرضنا السليبة فى هزيمة ١٩٦٧ .. لاصبح شرف هذه الأمة على المحك ..!
رابعاً: قَدَر مصر هو قَدَر الكبار .. هو مسئولية قيادة العروبة و الإقليم .. و هذا ليس اختياراً بل قدر تاريخى لا تملك ان تذهل عنه و لا تملك ان تتنازل عنه .. و الا ضاع الإقليم .. و ما نشهده اليوم هو لفراغ تركته مصر عقوداً..!
خامساً: الكبار يعرفون انه في لعبة السياسة و الهيمنة الدولية .. يملك الكبار مرتكزات استراتيجية على خريطة العالم السياسية .. و ان لم يملِكوها إرثاً .. تملَّكوها قسراً بالتوسع و الاحتلال او الحيلة .. و لولا ذلك ما احتلت إنجلترا مصر من أجل قناة السويس .. و ما احتلت ايران جزر عربية إماراتية حتى اليوم .. و ما ضمَّت روسيا القرم بدعوى الحقوق التاريخية .. و لم نعرف عن كبار يساومون على مرتكزات استراتيجية ذات قيمة حتى و ان لم يملكونها .. فما بالنا بمرتكزات الحجية التاريخية قائمة حتى و لو فى إطار الحوار ..!
سادساً: فى قضايا المصير و البقاء .. و هما جوهر الأمن القومي لأى وطن .. لا يملك أحد – رئيساً كان او وزيراً .. رمز دين أو رمز فكر .. مؤسسات سيادية أو غير سيادية – ادعاء تفرده بولاية أو احتكاره لشرعية قرار .. فقضية أرض الوطن لمن لا زالوا يستغلق عليهم حقائق الأمن القومي .. هى قضية فوق الدساتير .. تستقى شرعية الحديث فيها من أصل الشرعية و هو الشعب كله بلا مساومة و لا تدليس ..!
سابعاً: الوطنية عقيدة لا يستدل عنها بزي يرتدى و لا بمؤسسة ينتمى اليها .. و لا باحتكار الحديث عنها .. الوطنية مسئولية كل من اعتقدوا فى مصر وطناً يملكونه و يملكهم .. و من ورثوا عقيدة أمنها القومى عن التاريخ الذى لا يحابى أحداً !
ثامناً: قضية الجزر و ما مثلها لم تنته بعد .. فالقول الفصل فى مثل هذه القضية هو ل”ألأمة المصرية” وحدها .. لا لممثلين عنها .. و لا لمؤسسات أمنها و لا بيروقراطيتها .. و الأمة المصرية لم تفرط فى حدود مصر القلب فى تاريخها المعلوم .. بل كثيرا ما كان القلب يتسع لتكون مصر الكبرى كما كانت على عهد محمد على و على أقل تقدير مصر و سودانها حتى نهاية حكم الدولة العلوية..!
فلنقرأ في قضية الجزر .. “حدود مصر القلب ” التى لم يساوم عليها فى تاريخها .. و لنقرأ فيها “أمة” لم تتنازل عن شرفها مهما وهنت و لم تأبه بمن حكموها .. و لنقرأ فيها مستقبل المصير و البقاء .. و لنقرأ فيها “الوعى الغائب” عن ابجديات أمن قومى .. و لنقرأ “قدر الكبار” و هو التكليف الذى لا حيدة عنه مهما ذهل عنه من ليسوا على قدره ..
لنتيقن أن الجزر لن تَذهَب .. و لكنها ستُذهِب صفحة من تاريخنا الحديث مليئة بالصَغَار .. هذا ما سنقرأه فيها .. !
فكروا تصحوا ..
اقرأ أيضًا:
.