منذ عهد الأسرة الأولى كانت سيناء ضمن حدود مصر ولا تخلو سجلات الفراعنة من ذكر الحملات التأديبية المتكررة على بدو سيناء ، ورغم أن المصرى القديم لم يستقر فى سيناء إلا أنه أحتفظ بنقط دفاعية مهمة على الحدود بالقرب من رفح وفى غزة نفسها، وكان يطلق على وادى غزة نفسه أسم وادى مصر وهذه تسمية لها دلالتها فهى حامية مصرية تحمى البابا الشرقي لمصر .
.هذا ووصف نعوم بك شقير مؤرخ سيناء شبه الجزيرة بأنها قنطرة النيل إلى الأردن والفرات، وأجمع المؤرخون بأنها حصن مصر المنيع وطريق الغزوات ، لهذا لعبت سيناء منذ مهد التاريخ دورا مهما فى تاريخ مصر ممزوجه بدماء شهداء حتى الآن، وشقير هو لبنانى الأصل خدم طوال سنوات ممتدة فى دوائر المخابرات فى مصر فعلم أقرب الأمور عن السودان ومصر وجيرانها ثم أسهم بمعرفته الواسعة بمؤلفات قيمة أشهرها كتابه عن سيناء الذى يحمل أسم “تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها “الذى صدر عام 1916 اى قبل ظهور الكيان السعودى والذى كتب فى مقدمته ان غرضه من تأليفه للكتاب أن يعرف كل مصرى بتاريخ هذه البقعة المهمة فى الوطن والجزء الخاص بجزيرتى تيران وصنافير مذكور فيه : أما خليج العقبة الذى يحد سيناء الجنوبية من الشرق فطوله من رأس محمد إلى قلعة العقبة نحو مئة ميل وعرضه من سبعة أميال إلى أربعة عشر ميلاً وفيه ثلاث جزر: جزيرة تيران عند قاعدته تجاه رأس محمد بينهما مضيق حرج لمرور المراكب وجزيرة سنافر شرقيها وكلاهما قفر بلقع.
.أما فى كتاب سيناء الموقع والتاريخ لـ عبده مباشر واسلام توفيق فوصفوا الجزيرتين وصفاً دقيقاً بعض ما جاء به: تبلغ مساحة جزيرة تيران نحو 61كم 2، ومن أهم الجبال جبل تيران الذى يبلغ 526م أعلي قمة فى الجزيرة، وجبل المذبح الذى يبلغ 253م ويقع غربي الجزيرة وجبل القرين الغربي 107م وجبل القرين الشرقي 180م وهو فى أقصي الجنوب الشرقي للجزيرة وبالجزيرة بعض المجارى الصغيرة من أهمها وادى التمايل الذى يتجه إلى الشمال الشرقي ووادى لصقة الذى يتجه إلى الجنوب، ويحيط بالجزيرة مجموعة من المراسي والخلجان أهمها مرسي القرين فى الجنوب ويليه غربا مرسي لصقة والخشخاشة والطير والمذبح.
.تقع جزيرة تيران وسط مدخل خليج العقبة وتشكل الجانب الشرقى لمضيق تيران ويبلغ ارتفاع قمة الجزيرة 1719 قدما، أما بقية الجزيرة فهو عبارة عن سهل رملى منخفض ترتفع عليه التلال فى بعض الأماكن، وعلى الجانب الغربى للجزيرة شكلان واضحان ارتفاعهما 135 قدما و 310 قدما وهما على بعد 1,5 – ميلين إلى الجنوب والجنوب الشرقى من نقطة جونسون التى تعتبر أقصى طرفها الشمالى الغربى. والطرف الشمالى للجزيرة عبارة عن شبه جزيرة تتصل بالجزء الرئيسى ببرزخ على الجانب الشرقي منه خليج فول، ويتميز الطرف الجنوبى الغربى لجزيرة تيران بأنه منحدر وصخرى وتحوطه سلسلة مرجانية، وتتميز نقطة جونسون التى تتكون من الرمال والمرجان بأنها منخفضة ومسطحة وهناك حجر ابيض غير واضح على بعد1,5 من الفولاج جنب هذه النقطة
.كما يوجد شاطئان رمليان صغيران يظهران بوضوح فى الجنوب الغربى بالقرب من جنوبى نقطة جونسون ويعتبران مكانا صالحاً للنزول للمياه أما بقية هذه المنطقة فهى منخفضة وبها صخور مرجانية منحدرة
وذكر كتاب شبه جزيرة سيناء للواء الدكتور ممدوح حامد عطية أن عرض ممر تيران لا يزيد عن خمسة كيلو مترات ولذلك يعتبر هذا الممر مياها اقليمية للجمهورية العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
.أما جزيرة صنافير فهى على بعد 1,5 من الميل شرق جزيرة تيران، كما هو موضح بالخريطة المرفقة – ويتبين من كتاب سيناء الموقع والتاريخ أن الجزيرتين ملكاً لمصر ولا توجد أى اشارة لملكيتهم للسعودية- ويرتفع من الجزء الشرقي لهذه الجزيرة عدة تلال من الحجر الجيرى ذات القمم المدببة وأعلي القمم بالقرب من الطرف الجنوبي الشرقي تل يبلغ ارتفاعه 38 قدما والجزء الغربي لهذه الجزيرة يشبه شبه جزيرة على الجانب الشرقي منها خور، ويحد من الجانب الغربي لجزيرة صنافير مساحات من الشعب المرجانية.
قصة النزاع
وعن قصة النزاع على الجزيرتين يقول الدكتور صبري العدل مؤرخ مصري وعمل مديرا لمركز البحوث الوثائقية بدار الوثائق بالقاهرة وله العديد من المقالات التى ترجمت لعدة لغات: كانت جزيرتا تيران وصنافير شأنهما شأن معظم الجزر الأخرى الواقعة علي السواحل المصرية بالبحر الأحمر، من الصعوبة أن يتواجد أي نشاط بشرى عليهما، نظراً للطبيعة القاسية لهذه الجزر، وصعوبة الحصول علي المياه. هناك بعض الإشارات في كتب الرحالة حول هاتين الجزيرتين، فقد زار منطقة خليج تيران وشمال الجزيرة العربية الرحالة الفنلندي جورج أوغست فالين مرتين خلال عامي 1845 و1848 أي في عصر محمد علي، وخلال رحلته الأولي عام 1845م قال: “وأخبرني سكان المويلح وبدو شبه جزيرة سيناء أن السَمح (نبات صحراوي) ينبت أيضا في جزيرة تيران”، وهذا يعني أن سكان شبه جزيرة سيناء كانوا علي اتصال بجزيرة تيران في البحر الاحمر.وخلال رحلته الثانية عام 1848م وفي حديثه عن صيادي منطقة الشرم (شرم الشيخ حاليا) يقول: “وكثير من إخوانهم الرحل في جبل سيناء ومن قبيلة هتيم الذي انتقل بعض بطونها هذا العام إلي جزيرة تيران، يملكون هم أيضا قوارب يتجرون بواسطتها في نطاق ضيق بين شبه جزيرة سيناء وسواحل بلاد العرب ومصر”:وكانت الحكومة المصرية تسيطر على جزيرتى تيران وصنافير، لكن لصعوبة الطبيعة الصخرية لهما، وصعوبة توصيل المياه والمؤن للعساكر المصرية، فقد انتقلت القوات المصرية إلى ساحل شبه جزيرة سيناء.
.وخلال عام 1911 أى بعد ترسيم الحدود الشرقية لمصر بخمسة أعوام، أرسلت الدولة العثمانية قوة قوامها خمسون جندياً من العقبة للاستيلاء على جزيرتى تيران وصنافير، مع سفينة حربية مزودة بثمانية مدافع تمركزت هناك، وباخرة لنقل المؤن والمياه، إضافة إلى 60 جملاً برجالهم تطوعوا ورابطوا فى أم الرشراش، ومن أجل ذلك تم تسيير خمس عشرة دورية إلى طابا، ومثلهم إلى رأس النقب بصورة يومية. وكان الهدف من كل هذه التدابير هو منع تهريب السلاح من مصر إلى العرب فى الحجاز وسوريا. ويبدو أن الألمان كانوا يطمعون فى الاستيلاء على الجزيرتين، حيث عززت القوات العثمانية تواجدها فى العقبة بإضافة ثلاث كتائب من ولاية دمشق.خلال عام 1928م طلبت مصلحة الحدود ـ التي كانت تسيطر علي مناطق الحدود ومن بينها سيناء ـ من وزارة الخارجية موافاتها عما إذا كانت جزيرتا تيران وصنافير تابعتين للحكومة المصرية أم لا حتى يمكنها رفع العلم المصري عليهما، لكن نظراً لعدم توفر أية معلومات لدي موظفي وزارة الخارجية عن هاتين الجزيرتين فقد كان الرد بعدم وجود أي ذكر لهما ضمن ملفات الخارجية. ومن الواضح أن توقيت هذه الوثيقة مهم للغاية حيث تتزامن مع الاضطرابات التي حدثت في شمال الحجاز، لعل أهمها ثورة حامد بن رفادة شيخ قبيلة بلي الذي انطلق من شرق الأردن فهاجم القوافل وعبث في الأمن متمردا على حكم آل سعود وذلك بدعم من الملك فؤاد في مصر، ومن ثم كانت هناك اضطرابات وقلاقل في منطقة جزر تيران وصنافير القريبة من شمال الحجاز. ويبدو أن موقف جزر تيران وصنافير ظل علي ما هو عليه حيث سكنها بعض قبائل من شبه جزيرة سيناء، يمارسون مهنة صيد الأسماك.
.وما أن اندلعت حرب فلسطين عام 1948م، وما تلاها من أحداث ثبتت أقدام الوجود اليهودي في منطقة أم الرشراش (ميناء إيلات)، وأصبح لإسرائيل منفذ علي البحر الأحمر، وبات هناك نشاط عدائي للوجود المصري في خليج العقبة، ومن ثم باتت هناك ضرورة ملحة لاستخدام جزر تيران وصنافير استخداماً استراتيجياً وعسكرياً، خاصة وأن جريدة الأهرام نشرت خبراً في 12 يناير 1950 حول مطامع إسرائيل في جزيرة تيران، حيث أشارت أن نائباً يهودياً أثناء استجوابه للحكومة الإسرائيلية أكد أن هناك جزيرة (تيران) لا يرفرف عليها علم أي دولة ويحث حكومته علي احتلالها. وفي اليوم نفسه حاول المستشار وحيد رأفت؛ المستشار آنذاك في مجلس الدولة، لفت نظر وزارة الخارجية المصرية إلي خطورة ترك هذه الجزيرة بدون قوة تحميها، حيث ستصبح مطمعاً لليهود، ورسم الخطوات العملية لحماية هذه الجزيرة منها إصدار أوامر فورية للقوات البحرية المصرية بالاستيلاء علي الجزيرة ورفع العلم المصري عليها، إبلاغ المملكة العربية السعودية بما يتم اتخاذه من إجراءات بخصوص الجزيرة لمنع وقوعها في يد إسرائيل، إبلاغ الدول بأن الجزيرة جزء من الأراضي المصرية وأن أي اعتداء عليها هو اعتداء علي مصر.
.وأخذت الحكومة المصرية هذا الرأي مأخذ الجد، وبدأت في اتخاذ الخطوات الفعلية لرفع العلم المصري علي جزر تيران وصنافير، فشكلت في 17 يناير 1950 لجنة لاستكشاف جزيرة تيران الغرض منها دراسة أماكن رسو السفن علي سواحل الجزيرة، وطبيعة الأرض ومدي إمكانية إقامة الجنود، والوسائل الممكنة للدفاع عنهما. وفي الوقت نفسه أرسلت وزارة الحربية والبحرية تستعلم من وزارة الخارجية حول ملكية جزيرة تيران، فأكد رد الخارجية علي مصرية الجزيرة بدليل اللوحة رقم (6) جنوب سينا من مجموعة خرائط القطر المصري والتي رسمت بمقياس 1/500000 لسنة 1937 والتي بينت تفاصيل الارتفاعات بجزيرتي تيران وصنافير ولونتها بلون الأراضي المصرية بينما تركت الأراضي الأجنبية بيضاء. وبعد التأكد من مصرية الجزيرتين باتت الخطوة التالية قادمة. فصدرت الأوامر برفع العلم المصري عليها في 26 يناير 1950، وصنافير في 28 يناير من العام نفسه.
قرار 1990 الذى تستند عليه السعودية
أشارت هايدى فاروق إلى أن السعودية عندما ضمت الحجاز المصري لها كان هناك بعض الجزر الواقعة عند مدخل باب المندب، والتي كانت احد مفردات الحجاز المصري القديم، ولم يتم ضمها للسعودية حتى الآن رغم استراتيجيتها، موضحة أن ذلك كان أثناء ترسيم الحدود مع اليمن في عام 1990.
وأوضحت مستشارة قضايا الحدود، أن الخطابات المتبادلة بين الحكومتين المصرية والسعودية في عام 1990 كانت لمسئول سابق، نافية أن يكون هذا المسئول رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء وقتها، لافتة إلى أنها بنفسها قامت بتسليم كل الوثائق التي تؤكد ملكية مصر لهذه الجزر منذ سنوات طويلة.
الجزيرتين وكامب ديفيد
وجدير بالذكر والدليل على أهمية الجزرتين استراتيجيا ما ذكر فى معاهدة السلام بين جمهورية مصر العربية ودولة اسرائيل حسب كتاب “كامب ديفيد” ل رباب يحيي عبد المحسن حيث نصت المادة الخامسة على أن تتمتع السفن الإسرائيلية والشحنات المتجهة من اسرائيل وإليها بحق المرور فى قناة السويس ومدخلها فى كل من خليج السويس والبحر الأبيض المتوسط وفقا لأحكام اتفاقية القسطنطينية لعام 18881 المنطبقة على جميع الدول، كما يعامل رعايا اسرائيل وسفنها وشحناتها وكذلك الأشخاص والسفن والشحنات المتجهة من اسرائيل واليها معاملة لا تتسم بالتميز فى كافة الشئون المتعلقة بإستخدام القناة، ويعتبر الطرفان أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول دون عائق أو إيقاف الحرية الملاحية أو العبور الجوى كما يحترم الطرفان حق كل منهما فى الملاحة والعبور الجوى من وإلى أراضيه عبر مضيق تيران وخليج العقبة وحررت هذه المعاهدة فى 26 مارس سنة 1979م من ثلاث نسخ بالانجليزية والعربية والعبرية وشهد التوقيع جيمى كارتر رئيس الولايات المتحدة الامريكية انذاك.
خرائط وشهادات
من ضمن الخرائط المهمة عن مصر وسيناء تلك التي رسمها Radefeld, Carl Christian fant (1788-1874) وستجد بها اسم تيران ويقول إنها تابعة للسيادة المصرية، كما ظهرت الجزر بخريطة ألبي عام 1800 التى رسمها مهندسو حملة نابليون وكان يوجد منها نسختين واحدة احترقت بالمجمع العلمى والأخرى تسلمتها الحكومة، هذا إلى جانب خريطة تيبورجرافي جوهان عام 1887 والتى سلمتها الدكتورة هايدى فاروق المستشارة السابقة برئاسة الجمهورية لقضايا الحدود الدولية للحكومة المصرية ، وكلفت الدكتورة هايدى اثناء حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك بتوثيق وضع الجزيرتين عام 2006 وتوصلت لنتيجة انهما مصريتان… والجزيرتين قديما كان اسمهما معا التيران والأسم مصدره مصرى حيث كان هناك جنود مصريين يؤمنون الحج وكان بالجزر مربط للماشية “التيران” حتى لا تتعرض للهجمات القبائل التى كانت تريد الهجوم على الحجاج.وكل الخرائط منذ خريطة بوتنجر بالقرن الثانى الميلادى تجعل خليج العقبة بجزره ملكا لسيناء.
الى جانب الخرائط كان هناك أيضا بعض القرارات المهمة بشأن الجزيرتين منهما قرار وزير الداخلية رقم 422 لسنة 1985 “تنشأ نقطة شرطة مستديمة بجزيرة تيران تبع قسم سانت كاترين محافظة جنوب سيناء” وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2035 لسنة 1996 بإنشاء محمية طبيعية بمنطقة رأس محمد وجزيرتى تيران وصنافير
.