بعيدا عن الجدل الدائر بين فريقي “السعودة” و”التمصير” لجزيرتي تيران وصنافير، يبدو الموقف متشابها إلى حد كبير في مانشيتات الصحف المصرية الحكومية وبعض الخاصة مع مثيلاتها السعودية، وكلها تدور في فلك “السعودة”، وكأن صناع القرار “المانشيتي” هنا وهناك يعملون يداً واحدة في مؤسسة إعلامية لها توجه وسياسة تحريرية متناسقة لا تسمح بغير “السعودة” سبيلا.
1
الأهرام المصرية عنونت صدر نسختها: “التزامات مصر بمعاهدة السلام بشأن حرية الملاحة في خليج العقبة تنتقل للسعودية”، أما الأخبار المصرية نقلت عن الملك سلمان قوله: ” لا خلاف على سعودية جزيرتي تيران وصنافير، فيما أكدت صحيفة الجمهورية على أن تعاون مصر والسعودية يحقق التوازن للمنطقة ويخدم قضايا الأمة وركزت على 25 مليار دولار قيمة الاتفاقيات الموقعة خلال الزيارة.
2
أما الصحف الخاصة المصرية تحررت قليلا من التوجه السعودي الصارخ وبدت متوازنة بعض الشيء وإن مالت تحليلاتها لـ”السعودة” في مقابل ” تمصير” حاد في جريدة “المقال” التي تحملت وحدها تقريبا عبء حمل لواء إثبات أن الجزيرتين مصريتين.
جريدة “الوطن” نشرت مخاطبات الخارجية عن تيران وصنافير، والتي تؤكد أن مصر سيطرت على الجزيرتين بمباركة سعودية عام 1950، وقالت أن المفاوضات بين القاهرة والرياض استمرت 5 أشهر والمملكة قدمت وثائق أهمها خطاب لـ عصمت عبدالمجيد الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، ونقلت عن إعلامي سعودي قوله: لولا مصر لتحولت المملكة إلى ليبيا جديدة
أما جريدة “اليوم السابع” نقلت تصريحات تاريخية للملك عبد العزيز آل سعود قال فيها أن نزول القوات المصرية على الجزيرتين يزيل قلقنا من سيطرة إسرائيل عليها، ونقلت عن وثائق لمجلس الأمن بأن مصر خاطبت الأمم المتحدة بالاتفاق مع السعودية على إعارة الجزيرتين.
جريدة “المصري اليوم” نشرت وثيقة نقل إدارة الجزيرتين لمصر عام 1950 والتي بموجبها وافقت الرياض لحماية المنطقة من إسرائيل.
3
سعوديا عنونت جريدة “عكاظ” مانشيتها الرئيسي: “سيادة سعودية على جزيرتي صنافير وتيران”، ونشرت تقريرًا عن الجزيرتين بعنوان “تعرف على جزيرتي تيران وصنافير أجمل جزر العالم”.، وقال التقرير: “من ناحية أخرى الجزيرتين تابعتين للسعودية، وإنما جعلت مصر تستفيد منها في حربها على اسرائيل، ولم تتنازل عنها المملكة”.
ولم يختلف مانشيت جريدة الوطن السعودية كثيرا، فجاء بعنوان “صنافير وتيران سعوديتان”، وتحدثت الجريدة عن توقيع اتفاقية سعودية مصرية لترسيم الحدود البحرية، وإعلان مجلس الوزراء المصري أن جزيرتي تيران وصنافير تقعان في المياه الإقليمية للمملكة، وقالت الجريدة سيتم عرض الاتفاقية على مجلس النواب لمناقشتها وطرحها للتصديق عليها، طبقًا للإجراءات القانونية والدستورية المعمول بها، ونشرت الجريدة رسم توضيحي لمكان الجزيرتين، مشيرة إلى وقوعهم في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، ويبعد 6 كيلو مترات عن ساحل سيناء الشرقي.
وجاء المانشيت الرئيسي لجريدة “المدينة” السعودية بعنوان “مجلس الوزراء المصري: جزيرتا تيران صنافير سعوديتان”، ونشرت بيان مجلس الوزراء المصري، مشيرة إلى أن الملك عبد العزيز آل سعود طلب من مصر في يناير1950، أن تتولى توفير الحماية للجزيرتين، وهو ما استجابت له، وقامت بتوفير الحماية للجزر منذ ذلك التاريخ.
فيما عنون موقع “سبق” السعودي: “بعد نصف قرن من المداولات والمناقشات والمباحثات مجلس الوزراء المصري يعلن جزيرتي “صنافير” و”تيران” سعوديتين”، وقال الموقع: “وبإعلان الوزراء المصري اليوم، يتم إنهاء ملف استمرت مباحثاته لأكثر من نصف قرن بين البلدين حول تبعية الجزيرتين لأي دولة تخللتها مداولات ونقاشات ومباحثات طويلة”، ولم ينس الموقع أن يعتبر القرار واحدًا من أهم إنجازات الزيارة “التاريخية” للملك السعودي.
4
المذهل بالفعل في التغطية الصحفية هو ما جاء في مانشيتات الصحف الإسرائيلية، جريدة “يديعوت أحرونوت” قالت: بعد أن كانت قوة عظمى.. مصر أصبحت محمية سعودية، فيما نشرت جريدة “معاريف” تقريرا تحت عنوان: الاتفاقية بين مصر والسعودية تستوجب تغييرات باتفاقية السلام مع إسرائيل، وتساءلت معاريف: هل يحاك تحالف ثلاثي سري بين إسرائيل ومصر والسعودية؟
والسؤال المطروح: كيف اتفقت الصحافة الاسرائيلية مع مثيلاتها المصرية والسعودية في نفس التوجه؟
5
لكن النظرة العامة على بعض مقالات الكتاب السعوديين تحيلنا مباشرة إلى الانتصار الذي يشعرون به في حرب “السعودة” و”التمصير” الدائرة في مصر.
الكاتب الصحفى جاسر الجاسر كتب قائلا: “جزيرتى تيران وصنافير سعوديتان أصلًا، وقد وضعتهما المملكة تحت تصرُّف القوات المسلحة المصرية أثناء النزاع مع إسرائيل، وتمّ الاستيلاء عليهما، لكنهما عادتا مرة أخرى بعد اتفاقية كامب ديفيد”.
فيما وصف الكاتب الصحفى خالد أبو على زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز للقاهرة تاريخية، والاتفاقيات التى تمّت سيكون لها انعكاس كبير على الجانبين.
واعتبر الكاتب الصحفي جميل الذيابي زيارة الملك سلمان إلى مصر مرحلة مهمة في تمتين العلاقات بين الرياض والقاهرة، خصوصًا تعيين الحدود البحرية واستعادة السيادة على جزيرتي تيران وصنافير”.
فيما عاد الكاتب الصحفي خالد سليمان إلى التاريخ قائلا: “قرأت الكثير عن مضائق تيران التي أشعل إغلاق عبد الناصر لها فتيل الحرب مع إسرائيل، وفي كل مرة كنت أجد إشارة إلى أنهما جزيرتان سعوديتان، تحررتا مع عودة سيناء بموجب اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية”، وتابع: “اليوم تعود الجزيرتان إلى واجهة الحدث ولكن ليس كخبر عابر لتأكيد السيادة السعودية عليهما وإنما كجزء من تصفية حسابات خصومة سياسية مصرية خالصة، وقد أتفهم جهل بعض الشباب في مصر بتاريخ الجزيرتين”.
6
إجمالا، فإن توجه الدولة الرسمي نحو “سعودة” الجزيرتين، وما صاحبه من وثائق خرجت من الخارجية تارة ومن جهات سيادية تارة أخرى، وتسريبات على مواقع التواصل الاجتماعي تارة ثالثة، قابلتها في الوقت نفسه وثائق واستشهادات وفيديوهات تؤكد ” التمصير” وتدعمه، وفي المنتصف يقف المواطن المصري حائرا بين فريقين كلا منهما يثق في وجهة نظره، لكن المؤكد أن المواطن المصري حتى الآن لم يحسم موقفه، فسعيه المتواصل وراء لقمة العيش تلهيه مؤقتا عن الالتفاف حول “السعودة” الرسمي و”التمصير” الشعبي، ويبدو أن ما يطلق عليه اصطلاحا حزب الكنبة هو الذي سيحسم المعركة في النهاية، ووقتها على الفريق الخاسر إعلان نتيجة الامتحان والخروج من المسابقة مفسحا المجال للفريق الفائز بالمباراة المصيرية.. مباراة ” السعودة” والتمصير”..!!
.