يوم الجمعة الماضي كان يوم مختلف في حياتي لأنه أول يوم انزل فيه لتغطية فاعلية لها علاقة بالتظاهرات منذ سنوات قد تصل إلى ثلاث سنوات كاملة منذ فعاليات 30 يونيو، في حين كانت آخر فاعلية قمت بتغطيتها وبها خطورة كبيرة (على ما اذكر) هى التظاهرات أمام مقر جماعة الأخوان المسلمين في المقطم، ووقتها استخدمت الشرطة الغاز بكثافة شديدة، وكان في منطقة المقطم ما يشبه حرب الشوارع وتم حصار أحد المساجد، وكان يوماً عصيباً لدرجة أنني حوصرت بين الطرفين واختبأت فى مدخل احد العمارات !!
وبعدها حدثت مظاهرات 30 يونيو وكانت معظمها تظاهرات غير خطيرة، ثم مررت بأزمة صحية ولم أنزل أي مظاهرات لأسباب طبية وبعدها تم صدور قانون منع التظاهر، لذلك كان يوم الجمعة مختلفاً بالنسبة لي فهى أول مظاهرة حقيقية انزلها منذ فترة طويلة وقد انتابني شعور غريب مزيج ما بين الترقب، والقلق، والسعادة ببداية استعادتي للياقتي في تغطية المظاهرات منذ ازمتي الصحية، ولأن الزمن تغير، والظروف الصحية تغيرت فقد قررت أن استغل خبراتي العميقة في تغطية تلك النوعية من المظاهرات الخطيرة وتعويض فارق الزمن بمخزون الخبرة، وتغلبت على قلقي، وقررت الإقتراب من مبنى نقابة الصحفيين أكثر النقاط المضطربة فى ذلك اليوم.
وكعادتنا كفرق تصوير خارجى في تلك المظاهرات دائماً لا ننزل بالكاميرا من البداية بل نشكل ما يشبه قوات الإستطلاع في المعارك العسكرية فيتحرك اكثرنا خبرة، وحكمة يستطلع الأمور، وبعدها نقرر إذا كنا سنبدأ التصوير أم إننا سوف ننتظر أو أن هناك استحالة للتصوير سواء بسبب رفض أو ملاحقة قوات الأمن أو الجيش أو بسبب خطورة الوضع على حياة اعضاء فريق التصوير وكذلك المعدات، على أن ننظم ما يشبه غرفة العمليات في سيارة الخارجي، ويصدر القرار النهائي بعد التشاور، ولكن لابد كذلك من متابعة تطورات القرار لحظة بلحظة مع القيادة السياسية (المديرين سواء المباشرين أو الأعلى منهم اذا اقتضت الضرورة ذلك).
وقررت بجرأة غريبة أن أقود سرية الإستطلاع بنفسى على أن اترك باقى الزملاء في سيارة التصوير ونزل معي المصور والذي وضح أنه ينزل لأول مرة في حياته مظاهرة من ذلك النوع ونبه عليه الزملاء الأكبر سناً بأن عليه أن يتبع تعليمات الخبرة الممثلة فى شخصى البسيط، وخلال الطريق من بوابة دار القضاء العالى وحتى نقابة الصحفيين مروراً بنقابة المحامين بدأت استعيد لياقتى الفنية، واسترجع ذكريات الايام الصعبة التى مررت وبها والأحداث الخطيرة التي قمت بتغطيتها ماسبيرو ومحمد محمود1، ومحمد محمود2، ومجلس الوزراء والاتحادية والمقطم وغيرها …
وفى غمرة استرجاعي لذكرياتي أدركت بالفعل أن زميلي المصور الشاب بدأت تظهر عليه أعراض الإضطراب فباغته بسؤال تأكيدىي بأننى أشعر أنها المظاهرة الأولى فى حياته ؟! فاجاب بإنبهار إنها الأولى بالفعل، ووجدت نفسي اتقمص شخصية القائد العسكري واؤكد إننا أمام موقف مهنى صعب وان عليه ان يلتزم بالتعليمات حرفياً ولا مجال للمهاترات فاجاب بالموافقة، وتحركنا ببطء مشوب بالحذر وبدأت القى تعليمات التحرك بان علينا ان نبتعد عن السير بجوار المدرعات حتى لا ننحشر بينها وبين السور اذا تطورت الامور، ثم اشرت اليه باننا سنتوجه ناحية محل اسلحة “ابو ضيف” لنشاهد مدخل النقابة بوضوح، وبعدها وجدت الطريق مفتوحاً لنقابة الصحفيين بعد ان تحرك المتواجدون الى امام نادى القضاة فطلبت منه ان نتحرك بسرعة لنرصد الاوضاع على ارض الواقع على ان نعود سريعاً اذا حدث مكروه، ووصلنا بحذر الى مكان المتظاهرين امام نادى القضاة وبدأت التصوير بالموبايل وخلال ذلك وجدت نفسى اتقمص شخصية الاستاذ الجامعى واعطيه دروس فى تغطية المظاهرت.
الدرس الأول: أن تتحدث بصوت خفيض مع زملائك حتى لا يسمعك احد وتتحدث بمنتهى الحذر والاقتضاب مع الاغراب لان كثيراً منهم يكونون مع الاجهزة الامنية ويشعرون بالقلق من تواجد الاعلاميين ويخبرون قيادتهم بتحركاتنا.
الدرس الثانى: ابتعد تماماً عن المهاترات ولا تلتفت كثيرا للخناقات الجانبية او الاحتكاكات بين المتظاهرين لان بعضها يكون مفتعل لسحب تركيزك بعيداً عن الفعالية.
الدرس الثالث: ان تكون عيناك واذناك فى اقصى درجات التنبه والاستنفار وان تنظر نظرة شمولية للحدث فمثلاً هتافات المتظاهرين قد تكون لها دلالات على سير الاحداث فيما بعد، وكذلك تحركات عربات الامن قد تكون مؤشر على اقتراب تطويق المتظاهرين او معاملتهم بعنف او زيادة سخونة الموقف وهكذا…
الدرس الرابع: يجب ان تحدد سريعاً بعينيك طريق الهرب فى حالة استخدام الامن للعنف اواطلاق قنابل الغاز لان كل مكان مهما كانت صعوبة طبيعته لابد ان يكون فيه ممر امن للخروج، وعليك ان تكتشف هذا الممر الامن بسرعة وان تكون دائماً قريبا منه بما لا يؤثر على مجال رؤيتك للفاعلية ومتابعتها، وعليك ان توازن دائماً فى المسافة بين النقطة التى سوف تساعدك سرعتك ولياقتك على الجرى منها والوصول للممر الامن وبين النقطة التى تحفظ لك تواجدك وتمكنك من رصد الفاعلية بوضوح ودقة.
وخلال محاولتى استكمال النصائح والدروس للمصور الشاب بدأ هتاف المتظاهرين يتجه فى اتجاه معين وقد كان الهتاف على طريقة مشجعى الالتراس، ورغم قلة عد المتظاهرين وكثرة عدد قوات الامن الا انى سمعت باذنى تصاعد الهتافات بطريقة اعرفها جيداً وشاهدت بعينى اقتراب مدرعات الامن فى محاولة لتطويق المتظاهرين، وادركت ان ساعة الصفر قد حانت وقلت له علينا ان نتحرك الان، وتحركنا مع بداية اطلاق اصوات اغلب ظنى انها كانت قنابل غاز (ذكر بعض الصحفيين والناشطين بعدها على الفيسبوك ان اطلاق الغاز كان كثيفاً لكنى لم ارى بعينى) واكدت على زميلى المصور الا يجرى بهيستريا لان ذلك هو الدرس الخامس والاخير لان التدافع فى الخروج يمكن ان يؤدى لعواقب اسوء من تأثير الغاز نفسه، واثناء انطلاقنا صاح رجل على سلالم النقابة “ما تخافوش لو حصل اى حاجة ادخلوا النقابة ومحدش حيقدر يعمللكم حاجة” لافاجئ بزميلى المصور يصيح بتلقائية النقابة لأ !!!! ليذكرنى بمشهد “حسين فهمى” فى فيلم “العار” حينما اصيب بتشنج ورفض نزول الماء !! وبعد الخروج سألته ليه النقابة لأ ؟! قاللى خفت الامن يحاصرنا فيها !! مش باقولكم انه سنة اولى مظاهرات !!!!
اتمنى ان خبراتى تكون مفيدة لكل المراسلين الجدد المقدمين على تغطية مظاهرات خطيرة واتمنى لهم قضاء وقتاً سعيداً فى تغطية المظاهرات والخروج بسلام وتقديم تغطية متميزة !!!! والى اللقاء مع دروس جديدة لتغطية فعالة للمظاهرات !!!!!!