تسيطر علينا مشاعر الخوف من كل شيء ومن أي شيء ويكاد يكون حتى الخوف من لا شيء، نخاف من المستقبل والآخرين والمقربين وغير المقربين، نخاف الغرباء والأصدقاء، نخاف اليوم والغد، نخاف التغيير والتبديل، نخاف حتى التبرير والتحليل.
شعب تربى على الخوف من بكرة ومن السلطة ومن الأب ومن الأم ومن المدرس ومن المسئول ومن صاحب البيت الله يعمر بيته، هل يمكنه أن يتقدم، هل يمكنه أن يتطور، شعب يسيطر خوفه على تقديره للأمور. شعب يخاف من نواب انتخبهم ومن حكام اختارهم ومن أنفسهم ذاتها،
كل هذا الموروث من الخوف والخشية والقلق لا مبرر له سوى الرضا بالحال والبحث عن الاستقرار على هذا الحال فليس هناك أفضل مما كان ولأننا شعب زراعي نهري نهوى البقاء على حالنا بلا تغيير لمدد طوال، حتى من قاموا بالتظاهر ضد النظام بالأمس خائفون من أن تكون الأراضي المصرية قد بيعت والأمن الذي كان يطوقهم كان خائفاً من اندساس عناصر إرهابية وسطهم، وخروج المظاهرات عن السيطرة، الخوف يسيطر على الجميع وفي كل اتجاه من أعلى إلى أسفل وبالعكس. حتى في الانتخابات وهي حق الاختيار يخاف الناخبون من الاختيار لعل من يختارونهم يكونوا غير جديرين بالاختيار.
عندما تسير في الشارع تجد الناس تخاف من أن يتعرضوا للوقوع في برثن الزحام فكلهم يسرعون قبل السقوط في هذا الفخ، فتصبح النتيجة أن يحدث الزحام بدون داع، وكذلك تجد الفتيات اللاتي تسرن في مكان لا يطمئنون إليه إلا وهن يمسكن بهواتفهن المحمولة لادعاء أنهن على اتصال بأهلهن وهي محاولة بائسة لمحاربة الخوف من الخطف أو التحرش. الجيران في نفس العمارة لا يلقون السلام على بعضهم إن تلاقوا صدفة ويفسر البعض ذلك بالتعالي والتكبر، وفي حقيقة الأمر هو الخوف من الآخر وتوجس الاستغلال وانعدام الطمأنينة والتسامح، فقط راقب وستجد ما أقوله من حولك. حتى الحكومة تخاف من فئات معينة لا تمثل أغلبية الشعب، فتترك أمور بلا إصلاح أو تصحيح لأوضاع خاطئة، فلا تحاسب فاسدين وتترك الجشعين يتمادون في طمعهم على حساب الفقراء، هل تقدر الحكومة على تحجيم مافيا المقاولات وتجارة السيارات وتجارة العملات ومافيا الأراضي، وإن كانت تملك السلطة الكافية فهل تملك الجرأة الكافية لمواجهة هؤلاء، وإن كانت تملك السلطة والجرأة معاً فهل تملك الدافع؟
مجلس النواب يخاف من الانتقاد ويمنع البث المباشر لجلساته خوفاً من كثرة الفضائح لعدم الثقة في تصرفات أعضائه، كما أنه يخاف من عروسة لعبة (دمية) ويستنفر قواه في مواجهة نقد جاء على لسانها المصطنع ويحاول منع البرنامج الخاص بها، وهو أمر يقع تحت تصنيف التفاهة حسبما اتفق المثل الشعبي القائل “علمني التفاهة يا أبا- تعالى في الهايفة واتصدر”.
الخوف ينتشر وينتشر من أولنا لآخرنا وينخر في مفاصلنا جميعاً، نعم أنت أيضاً يا من تقرأ هذه السطور تخاف من أشياء كثيرة لا يمكنك أن تنكر. وأنا أيضاً أخاف ألا تعجبك هذه الأفكار، لكن عليك أن تتذكر المقولة الخالدة “إن خفت ما تقولش وإن قلت ما تخافش”، فلا تخف.
اقرأ أيضًا:
.