منذ فترة كتبت هاشتاج على الفيس بوك وأسميته #الدراما_التاريخية_مهلبية، نعم اسميته هكذا ولا داع للسخرية فتلك الفكرة تشغل بالي وتأرق فكري منذ زمن بعييييد جدا، كلما شاهدت فيلم أو مسلسل مبيء بالأخطاء التاريخية أعض على أصابعي من الغيظ، والعجيب أن تلك الفكرة كانت مسيطرة على حتى قبل أن ألتحق بقسم التاريخ وقبل أكمالي للدراسات العليا، بل بدأت معي منذ أن بدأت أتابع الدراما التاريخية تحديدا وانبهر بها وبإنتاجها الضخم صم أكتشفت بعد ذلك أنها أخطاء قاتله.
منذ سنة ونصف تقريبا كان هناك مسابقة في الأوبرا لاختيار مجموعة تكون نواة لمشروع أنتاج أفلام قصيرة تحت مسمى مستقبلنا السينمائي ثلاثة ورش لكتابة السيناريو والتمثيل والإخراج، في لجنة المناقشة كان يناقشنا ويسألنا كلا من الفنان شريف حلمي ودكتور أشرف محمد أستاذ دكتور بمعهد السينما والسيناريست نادر صلاح الدين، مرحلتين اجتزتهم ثم بعدها التحقت بورشة السيناريو، في الاختبار الأول كان من ضمن الأسئلة سؤال قالوا لي فيه نصا ” بصفتك واخده درجة الدكتوراه في التاريخ أيه رأيك في الدراما التاريخية؟”، وأذكر أني أجبت حينها إجابة اثنين منهما رفضوا وجهة نظري واعترضوا عليها ووافقني فيها فقط دكتور أشرف إلى حد ما، حيث أجبتهم نصا وبلا تجميل ” زفت” أنا نفسي أعمل أعمال تاريخية اصحح فيها الفكر الخاطيء الذي ملأ عقول الناس عن طريق الدراما.
في الحقيقة كان اعتراضهم مبني على فكرة أن هذا أبداع ومن حق الكاتب يتحرر من الحدث التاريخي الاصم من أجل الحبكة الدرامية وأنا رفضت هذا المعنى جدا وقولت لهم أن الحدث التاريخي اكثر دراما والله من الحبكة التي يخترعها كاتب الدراما التاريخية أن كتبت بدقه وحس فني ووعي عالي، حتى لو سوف أغير من الحقيقة جزء من أجل الحبكة الدرامية فلا يجب أن تكون أبداً اجزاء أساسية في الحدث نفسه، وهذا لأن أغلب الناس تتلقي ثقافتها من التلفزيون فهم يركنون إلى الاستسهال فيأذون معلوماتهم من برنامج أو فيلم بل ويصدقوه ويرددوه، وأذكر أني استمريت طول الدورة على مدى ثلاثة أشهر كل ما يثار عذا الموضوع أصر على ذات الرأي الذي صرحت به منذ أول لقائي بهم.
والآن فلنعد للهاشتاج مرة أخرى وأصرح لكم لم تذكرته الآن، اتذكرون بالطبع فيلم جودا أكبر الهندي وقصة الحب المنسوجة ببراعة بين جلال الدين أكبر أمبراطور المغول لزوجته الراجبوتيه وهذا الانتشار الفظيييييع للفيلم ونجاحه الساحق لدرجة أنهم بعد ذلك صنعوا منه مسلسلا وعرض أيضا في مصر ويحظى بمشاهدة عاليه جدا، وفجأة وبدون سابق إنذار تحول جلال الدين أكبر لأيقونه الحب والتسامح والسلطان العظيم والشعب المصري أصبح غارقا في قصة حبه وحربه.
في الهند متعددة الطوائف والملل عندما يصنعون فيلما أو مسلسلا يظهرون فيه جلال الدين أكبر الحاكم المسلم الأعظم بلا منازع ويجعلون منه أيقونة التسامح والتجديد فهم معذورون ولكن ما عذرنا نحن الشعب المسلم الواعي كيف نتقبل هذا دون البحث وإعمال العقل، تخيلوا معي أن جلال الدين هذا الذي أنتم منبهرون به وتتشدقون بكلمات كبيرة عن تسامحه وعظمته ماذا فعل تاريخيا ودينيا، أولا تزوج من راجبوتيه أي تزوج من غير الكتابيات وهذا في الإسلام حرام شرعا ومنهي عنه نصا في القرآن ويعد زنا مقنع، ثانيا أراد أن يجمع الثقافات الدينية المتعدده في الهند وصنع من نفسه أيقونه وابتدع دين جديد ميكس من الإسلام الصوفي الذي كان هو ووالده متأثرين به وينشرونه بقوة في الدولة المغولية، وهذا لأن والده همايون عاش مدة كبيرة في الدولة الصفوية عندما كان هاربا وساعده الصفويين في استرداد ملكه شريطة أن ينشر الأفكار الصوفية المتشيعة في الهند بالمقابل، وقد كان جلال الدين أكبر اخترع دين ليس هذا فقط يقال وتلك المعلومة لست متاكده منها في الحقيقة أنه اعتنق الفكر اللادني أي أنه يقول أنه صورة من الآله في الأرض وكلامه منزه ومنزل من الله مباشرة.
تخيلتم الآن ؟! ولكن للاسف نحن نكون ثقافتنا من التلفزيون، فغالبا نحن الآن نردد عن اقتناع واصبح وضع عادي أن نذكر أن جلال الدين أكبر أعظم ملوك المغول، لا لا لاااا بل أنه أعظم ملوك الهند وحكامها بلا منازع، لا تتعجبوا فهذا الوضع قديم فإن كنا منذ نصف قرن ويزيد افتنعنا أن عيسى العوام مسيحي فقط لأن يوسف شاهين المخرج الشهير بجو يريد ذلك، والله عيسى العوام قائد مسلم كانت ميزته الأولى أنه يجيد السباحة والغطس والتخفي، وليس هذا فقط فالفيلم خذا كليء بالأخطاء التي ترسخت في عقل العامة منها على سبيل المثال أن والي عكا خائن وأنه سلم مدينه طواعية للصليبيين دون مقاومة، ولكن في الحقيقة والي عكا لم يخن ومات وهو يدافع عن اسوار مدينته، كذلك ريتشارد لم يصب بسهم عربي مسموم كما ادعوا بل أصيب بحمى ومن عالجه طبيب الناصر اليهودي وليس الناصر صلاح الدين بنفسه كما جاء بالفيلم، فهل يعقل أن يغامر ويذهب بنفسه يعالج ريتشارد في وسط جنوده، حتى أن انسحاب ريتشارد والتصالح كان بسبب أن اخا ريتشارد قام عليه وخلعه من الحكم وولى نفسه فرغب أن ينتهي من حربه في الشرق التي لا طائل من ورائها ليذهب إلى بلدته ينقذ ملكه.
وكذلك الكثير والكثير مما علق في العقل الجمعي للشعب من معلومات اصبحت راسخة رسوخ الجبال كان سببها الأوحد أنها أتت في سياق الدراما التاريخية سواء تلفزيونية أو سينمائية، من أول الشيماء التي أظهروها تغني ولقبوها شادية العرب وهي لم بتغني قط في حياتها، مرورا بفيلم ألمظ وعبده الحمولي الذي أظهروا فيه الخديو إسماعيل شخص أخرق لا يهمه سوى النساء وكان ينافس عبده الحامولي على حب ألمظ بالرغم أن الحقيقة والثابت تاريخيا أن الأثنين كانا من حاشيته وأن عبده الحامولي أعتزل الغناء حزن على مولاه وصديقه الخديو إسماعيل بعد عزله ونفيه، مرورا بكل المسلسلات من نوعية الأبطال- الفرسان- بوابة الحلواني المليئة بالكذب والتتضليل، ووصولا لأفلام جو التاريخية كلها مثل ابن رشد والمهاجر والله تلك التوعية بذات كانت مهزلة بكل المقاييس، حتى الفيلم الكارثة وارد الثقافة الهندية الذي استقبلناه ع طبق الفضائيات الطاير جودا أكبر، فأغلب الظن أننا لا يكفينا العك التاريخي في الدراما المصرية ونرغب في الاستزادة والاستيراد من الخارج، وللاسف ستجد دائما من يدافع عن تلك المهزلة والحجة دائما جاهزة فالحبكة الدرامية تحتاج ذلك.
الدرما التاريخية أفسدت التاريخ الحقيقي، وحجة الحبكة الدراميا أصبحت شماعة التلاعب بالحقيقة للاسف مما جعلني أفكر في اقتراح يريح الجميع، إذا كانت الحبكة الدرامية هي التي تحكمكم هكذا وترون أن التاريخ لا يصلح لعمل درامي جميل دون تغيير في أصوله فلم لا نعتمد على المسلسلات الاجتماعية التي تتناول حقب تاريخية ما مثل نوعية حواري وقصور والزيني بركات والشارع الجديد وليالي الحلمية أو الدراما من نوعية السير الشعبية مثل علي الزيبق وسيرة بني هلال وتلك النوعية يمكنك أن تضع بها ما تريد من حبكات درامية ومثلما تحب فالتاريخ بها على الهامش مجرد استعراض عام للاحداث التاريخية داخل عمل درامي اجتماعي، لكن ترغب في عمل دراما تاريخية فلا تجود من نفسك وألجأ إلى أهل التخصص واستعن بهم واسألهم ولا تركن للمدرسة التي استحدثها جو في الدراما التاريخية وأتق الله لأن والله والله هناك أناس كل معلوماتهم عن التاريخ هي ما يراه في التلفزيون فقط .
.