محمود نصار يكتب: هيبتا .. المحاضرة الثقيلة

إمتيازية أي مُنتَج سينمائي لا ترجع بالضرورة لقوة مضمونه، بل لمدى ابتكارية المعالجة المُختاره من صنّاعه لعرض هذا المضمون.

و لنا في فيلم Days of summer 500 خير الأمثله على ذلك، فالفيلم ببساطه يرصد علاقة شاب بفتاة بما فيها من منحنيات عدة تمر بها العلاقة، يوماً في السماء وأياماً في الأرض ،إلى أن ينتهي بهما الحال إلى فراق لا رجعة فيه.

يبدو الأمر سخيفاً ومملاً أليس كذلك؟!

لكن المعالجة الذكية التي تم تناول القصه بها، والمنهج السردي المبتكر الذي اعتمده كُتّاب السيناريو في حكيهم لأحداثها، جعلت من الفيلم علامة سينمائية لها موقعها الاستثنائي في قلوب عشاق السينما في العالم.

وهذا بالضبط، ما كان يحتاجه فيلم (هيبتا)؛ معالجة “مُحكمة” مُكافئة لقوة الفكرة المطروحة.. فكرة “الحب بمراحله السبع”  كما تصورها الروائي محمد صادق، والتي تناولها أدبياً عن طريق مُحاضر يشرح تلك المراحل من خلال أربعة قصص، تُروى بالتوازي، لأربعة أبطال، مرّ كل منهم بواحدة من تلك المراحل.

وبالرغم من ذكاء الفكرة والمعالجة، إلا أن طريقة تنفيذ الأخيرة أهدرتهما معاً.

رواية “هيبتا” بقدر ما لاقت من نجاح ورواج لا ينكرهما إلا مجحف، نالها بالقدر نفسه انتقادات ليست بالقليلة ولا الهيّنه، سواء من الأوساط النقدية أو جمهور القراء.

وما يعنينا من هذه المآخذ هو مدى التفكك و التهلهل وانعدام منطقية أغلب الخطوط الدرامية للرواية، والمنعكس على سلوك شخصياتها بالتبعية.

كم الثغرات في الحبكة تُفقد المتلقي شعوره بترابط الأسباب بالنتائج في الأحداث، فمثلاً نرى “رامي”، الفتى الرسام الحالم، يُخبر “علا” بماضيها كله دون أن يُخطىء ولو لمرة واحدة، بالرغم من عدم وجود سابق معرفة بينهما، وأيضاً دون وجود ما يبرر قوته الخارقة تلك في قراءة البشر، خصوصاً مع حداثة سنه و انعزاليته وعدم إنخراطه في أي عمل يكسب منه قوته ويختلط على أثره بالناس!

هذا طبعاً بخلاف قصة “يوسف ورؤى” بكل ما فيها من قفزات درامية غير مفهومة جعلت منها مادة للتندر على شبكات التواصل الإجتماعي،  حتى إنه عندما وظّفت شخصية خصيصاً داخل الرواية لتبدي تعجبها من غرابة تطورات العلاقة بينهما، تم تبرير ذلك على لسان المُحاضر بمبرر يمكن ترجمتة بلهجة شعبية بعض الشيء: “الحب مجنون بقى و بيخلينا نعمل حاجات مجنونه وكل سنة وإنت طيب يعني”.
فعلا!!

تفاصيل كهذه جعلت النص مُتهماً طيلة الوقت بأنه ينتمي إلى أدب المراهقين.

وليس عيباً بالمناسبة أن تصنع فناً تستهدف به المراهقون، لكن العيب أن تصنعه (بعقلية) مراهقة.

كل هذه الأخطاء كان يؤمَل تداركها عند إعداد النص سينمائياً على يد السيناريست “وائل حمدى”.. لأن النص الأصلي بكل ما فيه من أخطاء، يظل لديه القابلية للتطور.. وهو ما لم يحدث!

فقط النهاية عُدلت تعديلاً طفيفاً، وفوضى الرواية نُقلت كما هى تقريباً.

أتفهم بالطبع الدواعي التجارية لذلك، لكنها في الأخير أدت إلى نص سينمائي به العديد من المشاكل، حتى في الجمل الحوارية للأبطال، والتى كان بعضها يقال بدافع “العمق”، لكنها جعلت الناس فى صالات العرض تضحك عليها لفرط ادعائها، أتحدث هنا بالخصوص عما قاله الطبيب لـ كريم قبل إجراء عمليته الجراحيه.. فى لحظة كهذة الناس ضحكت!

هذا طبعاً غير الجمل الرومانسية التي قتلت استهلاكاً ولا زلنا نجترها سينمائياً دون كلل أو ملل، نحن فى 2016 ولازلنا نسمع جمل على شاكلة: “أنا ما صدقت لقيتك”، “حياتي قبل منك كانت…”، “أوعدني إننا طول عمرنا..”، وهنا لا أطلب أن نخترع تراكيب لغوية جديدة في الغزل والرومانسية، لكن أيضاً لا نعيد محاكاة ما ابتُذل منها على مدار سنين مضت.

والحديث عن الحوار يأخذنا للكلام عن مؤديه، وهنا بدا اجتهاد الفنان ماجد الكدواني في الفيلم واضحاً في تنويع انفعالات “المحاضر” وعدم استسلامه للشكل الكلاسيكي لتلك الشخصية، فلم نجده يتحدث بالنبرة التقريرية و التلقينية المقترنة بهذا النمط من الشخصيات.. ونجح “ماجد” في احتفاظه بسحره المعتاد في كل أدواره الأخيره.

وكانت المفاجأة أيضاً في أداء الفنان أحمد بدير، بصرف النظر عن طريقته في التعبير عن توجهاته السياسية التى جعلت الكثيرين يتخذون موقفاً منه، لكن يقتضي الإنصاف بأن نعترف أن أداؤه أضفى حيوية على مشاهده مع أحمد مالك، وكان له حضور يصعب تجاهله حتى مع صغر دوره.

أما البقية الباقية من الممثلين فلا تستطيع أن تتذكر أداءً لافتاً لأحدهم بعد إنتهائك من الفيلم، ومن الممكن هنا أن نستثني “ياسمين رئيس”، لما كان لها من حضور مرح ومؤثر، ولكن الآخرون الذين أثبتوا قدراتهم بالفعل في أعمال سابقة، ظهروا في هذا الفيلم دون بصمة واضحة، وأول من يُسأل عن ذلك بالطبع، هو المخرج هادى الباجورى.

ومثلما يُحسب لأي مخرج كل أداء جيد لممثلين تحت إدراته، يؤخذ عليه أيضاً أن يخرج من تحت يديه ممثلون يؤدون أدوارهم بشكل لا يليق مع ثقل موهبتهم المعروفة لدى جمهورهم، واحقاقاً للحق يرجع الأمر أيضاً للسيناريو ومحدودية مساحات جميع الأدوار والكتابة غير الوافية لأبعاد الشخصيات.

لكن مع ذلك يُحسب للمخرج صنعُه لفيلم به قدر لا بأس به من التماسك و انضباط الإيقاع، والصورة التي خرج بها الفيلم بكل ما فيها من لمعان وجماليات مبالغ فيها، تظل لائقة مع الأجواء الوردية التي يريد أن يبثها الفيلم في نفوس مشاهديه.
و في الأخير ..

“هيبتا” فيلم كان لديه القابلية لأن يكون جيداً، بل رائعاً، لو بُذل جهد أكبر في بناء سيناريو الفيلم، لكنه صُنع ليحقق هدفا تجاريا بعينه، مستهدفاً فئة عمرية بعينها، وسينجح في كليهما.