«لا أراكم الله مكروهاً في عزيز لديكم، أواسي نفسي في وفاة المغفور له منذ دقائق، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وألهمني والأسرة الصبر والسلوان!
الرسالة السابقة صارت مألوفة على الحسابات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً فيس بوك، لدرجة تثير الشكوك في حقيقة ارتباط صاحبها بالمتوفي، فالبعض يكتبها بمجرد حدوث الوفاة، قبل الغسل والتكفين، والدفن!!
ولا أستغرب قريباً، إن لم يكن حدث فعلياً، أن يلتقط أحدهم سيلفي مع جثة أبيه أو أمه، ليستدر عطف أكبر عدد من متابعيه وأصدقائه، ولا أستوعب صراحةً كيف يتوفى عزيز لدي، وتطاوعني مشاعري على الإمساك بالهاتف، والدخول إلى فيس بوك لإعلان الوفاة بدم بارد، بل تعزية نفسي … قال يعني متأثر؟!
ولا تقل ردود فعل المتابعين غرابةً عن سلوك صاحب العزاء، فيعبرون عن إعجابهم برسالته الحزينة، لدرجة تثير التساؤل عما إذا كان يعجبهم طريقة الوفاة، أو غياب المتوفي، أو أنهم يعبرون عن شماتتهم بطريقة حداثية!
قس على ذلك، من ينشر صوره في المستشفى إذا شعر بدوار، أو التهاب في الحلق، أو بألم في شعر صدره، من باب درء الحسد، والتأكيد على أن المؤمن مصاب، وإثارة تعاطف مارك زاكبرج مؤسس فيس بوك طبعاً!
وبعيداً عن هذه السلوكيات الزومبية الفردية الفريدة، نتفوق على شعوب الأرض في قدرتنا الفائقة على نشر أبشع ما في بلادنا، على سبيل النكاية في نظام نكرهه أو حكومة لا ترضي طموحاتنا، فتجد صور القمامة، وبرك الصرف الصحي، والمباني المتهالكة، والأحياء العشوائية!
وأنا لست ضد نشر السلبيات وكشفها حتى يتحرك المسؤولون، لكن ليس بهذه الطريقة المحرضة البغيضة، فمن يسافر، يدرك أن بلادنا تظل من أجمل دول العالم، والعشوائيات والخرابات والفقر منتشر في معظم أرجاء المعمورة!
قديماً، كانت أجهزة المخابرات تبذل جهوداً مضنية لمعرفة الوضع الاجتماعي للشعوب العدوة، فتجند جواسيسها لرصد مشاعر الناس، وردود أفعالهم تجاه قرارات حكومتهم، أو أوضاعهم وظروفهم، لكن اختلف الوضع الآن، فمواقع التواصل حلت بديلاً دقيقاً ورخيصاً وآمناً لجواسيس الأمس، خصوصاً على شعوب يتطوع أفرادها بفضح أدق تفاصيل حياتهم على صفحات عامة، من دون إدراك لعواقب ذلك!
حضرت مؤتمراً عالمياً حول التواصل الاجتماعي، وهالني عرض قدمه أحد مديري شبكة تويتر، إذ حدد كيفية رصد الموضوعات المهمة التي تجذب ملايين المغردين في الدول العربية، مشيراً على سبيل المثال، إلى شهر رمضان باعتباره مناسبة مهمة قريبة، تثير اهتمام جميع أفراد الأسرة العربية، موضحاً أن تغريدة واحدة حول مائدة الإفطار يمكن أن تتفوق على إنتاج صحيفة كاملة من أخبار وتقارير وتحقيقات!
أشعرني الأمريكي الشاب أثناء حديثه بأنه أكثر دراية بالمطبخ المصري من الشيف شربيني، ولم أتخيل درجة تدقيقهم، في التفاصيل وتحليلهم كل المعطيات السهلة التي نوفرها لهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أشار إلى أن هناك أحداث معينة تستوقف مديري الشبكة، مثل الجدل الذي صاحب زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة وما أثير من خلاف حول جزيرتي تيران وصنافير، والذي أعتقد أنه بمثابة وصفة جاهزة قدمناها متطوعين للدول العدوة حول كيفية إثارة الفتنة في مصر!!
وحدث ولا حرج عن لغة الحوار المتدنية على وسائل التواصل، ويكفي أن تقرأ التعليقات على مقال سياسي، لتدفن نفسك تعاطفاً مع فقير مثلي قرر التعبير عن رأيه في النظام – على سبيل المثال، لينال سخط محبيه وأحطّ شتائمهم إذا انتقد، أو مسبات كارهيه إذا أيده!
نحتاج إلى ميثاق أخلاقي أو قانون صارم – مثل كل الدول المحترمة – يُفصّل حدود مستخدم وسائل التوصل الاجتماعي، ويحمي الأفراد من جرائم التمييز والكراهية والطعن في الأعراض والتشويه والابتزاز وغيرها من تلك التي تتكرر يومياً في هذه الشبكات.
بهذه المناسبة أود الإشارة إلى أنني لست المعجزة محمد فودة سكرتير وزير الثقافة الأسبق، ولم يسبق لي الزواج – للأسف – من الفنانة غادة عبدالرازق!