نقلاً عن “البوابة”
” لست فى حاجة الى التأكيد على أننا نقف مع نظام عبد الفتاح السيسى فى خندق واحد، ندافع وندفع عنه البلاء، لأننا نعرف أن من يريدون به شرا، يفعلون ذلك لأنهم يريدون بالوطن كله الهلاك، لكن ليس معنى هذا أن نصمت، عندما نرى أن هذا النظام يضر نفسه، ويتحرك بخطوات متسارعة لقطع يده التى هى أداته فى الدفاع عنه وتفكيك كل المخططات التى تعمل على تفكيكه هو.
لا تجعلوا من الصحفيين خصوما، لا تضعوهم فى خانة الأعداء، لأنهم فعليا ليسوا كذلك. ”
كنت قد ختمت مقالى ” الصحافة والرئيس… من يخطط لقطع يد السيسى” بهذه النصيحة، التى يعلم الله أنها خالصة لوجه الوطن، الذى نحلم به آمنا مستقرا خالصا لنا جميعا، لكن يبدو أنه لا أحد يقرأ، وإذا قرأ فإنه يتعالى ويستكبر، استنادا الى غرور القوة الذى يورد أصحابه موارد التهلكة لا محالة.
لن أتحدث عن عار ما حدث، سواء فى واقعة اقتحام نقابة الصحفيين مساء ١ مايو ٢٠١٦، أو التأكيد على أن الرئاسة لم تكن تعرف بما سيحدث، وأنها مستاءة مما جرى، أو محاولة الداخلية التخلص من تبعات اثمها الفادح وجريمتها الكاملة بتصريحات متناقضة، لكنى سأتحدث عما بعد الطوفان الذى أعتقد أنه لن يمر بسلام، وإذا مر فإنه سيترك فى القلوب جرحا، وفى الحلوق غصة.
من خططوا لاقتحام النقابة للقبض على اثنين من الزملاء، لم ينتبهوا الى أنهم يجتهدون وببراعة فى صناعة أعداء جدد للنظام كله، يأخذون من مؤيديه ومناصريه من يحاولون مساندته والدفاع عنه، ليضعوهم فى خانة من يهتفون ضده، لأنهم لا يصدقون أن الداخلية يمكن أن تقدم على فعلة شائنة وشنيعة مثل هذه من تلقاء نفسها.
سأصدق أن مؤسسة الرئاسة لم تكن على علم بما حدث، سأصدق أنهم عرفوا الخبر مثلنا جميعا بعد دقائق من اقتحام النقابة، فما الذى فعلته لتحتوي الأزمة؟ انها لم تعلق مجرد تعليق، و لم تسارع لاتخاذ اجراء، يطفئ الحريق قبل أن يشتعل، وهو حريق تعلم مؤسسة الرئاسة أنه سيكون عظيما، فهل تفتقد مؤسسات الدولة لرجل رشيد، يفكر ويقرر بسرعة، حتى لا نصبح جميعا فى مواجهة بعضنا البعض؟.
الاختلاف فى الرأى ليس جريمة، وحتى لو أصبح جريمة فى عرف نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي – وأتمنى ألا يحدث هذا أبدا – فليس من المنطقى ولا اللائق ولا القانونى أن يتم التعامل معه بهذه الصورة، التى تسيئ لصورته ليس هنا فى مصر فقط، ولكن فى العالم كله، وإذا كانت الداخلية تحتج بأن من قبضت عليهم من داخل النقابة صدر بحقهما أمر ضبط وإحضار، فهل يقولون لى ما الذى فعلوه مع حالات مماثلة يعرفونها هم جيدا.
تريدون أن تهزموا الصحافة إذن؟
حسنا ليكن لكم ما تريدون، لكن هل تعرفون أن هزيمة الصحافة اذا سمحنا نحن بذلك، هى الهزيمة الكاملة لكم، إلا لم يكن الآن فغدا، وإن لم يكن غداً فبعد غد.
لقد وضعت الصحافة نفسها فى خدمة هذا الوطن من اللحظة الأولى لظهورها، لا أحد يمكن أن ينكر ذلك أو يتنكر له أو يزايد عليه، وفى اللحظة التى يتصرف نظام أو جناح من أجنحته بطريقة يعتقد من خلالها أنه يستطيع أن يخصى الصحافة، فإنه بذلك لا يخصى الا نفسه.
ما الذى جناه النظام مما جرى؟
ببساطة شديدة وحد جهود المتناقضين فى صفوف الصحفيين الا قليلا جدا، واجه هتافات تتجاوز التضامن مع عمرو بدر ومحمود السقا، الى هتافات عن ثورة تشيل ما تخلى، فهل هذا ما يريده النظام؟
سيعتقد الفاعلون فيه أنها مجرد أزمة سرعان ما يتجاوزها، لكن عليهم أن يعرفوا أن معظم النار من مستصغر الشرر، مع العلم بأن ما جرى ليس مستصغر شرر أبدا.
النظام الرشيد هو الذى يستوعب الكل، يصنع من الخصوم أصدقاء، لا أن يحول الأصدقاء إلى خصوم، ومرة ثانية اللهم بلغت اللهم فاشهد.