نقلاً عن مجلة “7 أيام”
مهما اختلفت مضامين اللقاءات والمنتديات التي تجمع المهمومين بسوق الإعلام المصري ومعه العربي.. بكل تأكيد اتفق هؤلاء على حقيقة واحدة لا تغيرها كل التطورات الإيجابية والتراجعات السلبية، التي تشهدها هذه السوق منذ خمس سنوات نتاج إرث من الجمود فرضته أنظمة ما قبل الربيع العربي، وطوفان من الفوضى فتحت أبوابه نفس الأنظمة في معركة البقاء واستعادة الأرض التي حررها المحتجون في عدة دول عربية منذ انطلقت أول صيحة للثورة في تونس ديسمبر 2010.
الحقيقة الواحدة التي لا تتغير هي أن “الصحافة هي الأصل” سواء كنا نتكلم عن الصحافة المطبوعة أو الإلكترونية أو عبر الموبايل، سواء كنا نناقش برامج التوك شو، أو نشرات الأخبار، أو تقارير المراسلين، كل هؤلاء يجب أن يكونوا في الأصل صحفيين، والصحفي هنا هو ذلك الشخص الذي يجد في نفسه موهبة البحث عن الخبر والمعلومة وكفاءة نقلها للجمهور بشكل يجعله متفوقا عن زميل له قد يكون قد امتلك نفس المعلومة في نفس التوقيت، الصحفي -بدون مثاليات- هو شخص مهمته الوصول للمعلومات أولا ثم تمحيصها وتنقيتها وإعادة صياغتها بما يشكل قيمة حقيقية للمتلقى.
مثال بسيط على ذلك، الصحفي ليس هو الذي يجد صديقا له على فيس بوك كتب منشورا يقول “في صوت فرقعة جنب بيتي في المهندسين” ، فيسرع لفتح سيستم الموقع الذي يعمل به ويكتب “شهود عيان: سماع دوي انفجار في المهندسين” ، لأن صديقه لم يصبح بعد شاهد عيان حتى يتحول إلى “شهود عيان” ولأن صوت الإنفجار الضخم قد يكون ناتجا عن إطار سيارة ساهم الهدوء في تضخيم الصوت الناتج عن انفجارها.
في منتدى الإسكندرية الرابع للإعلام والذي حظيت دورته الرابعة بمشاركة غير مسبوقة سواء من الخبراء أو الصحفيين الشباب محليا وعربيا، دارت معظم النقاشات حول هذه النقطة حتى لو كان مضمون الدورة التي نظمها بنجاح الصحفي والمدرب أحمد عصمت تتحدث عن تأثير تكنولوجيا المعلومات على العمل الصحفي، لأنه مهما زادت الإمكانات التقنية في يد المراسلين والصحفيين فإن غياب كون “الصحافة هي الأصل” يجعل تلك التقنية عبئا على صاحبها بل أحيانا تورطه لأنه يستفيد من إمكاناتها في النقل السريع والتوثيق المباشر لكن دون أن يقدم مضمونا يفيد القارئ ويجعل منه صحفيا بحق.
أسماء بحجم ياسر أيوب وإيهاب الزلاقي وشريف عامر وسارة حازم ومحمد فتحي وأيمن صلاح وخالد البرماوي وعمر شعيب وأحمد سعيد وحسام عبد القادر، وغيرهم من المخلصين لهذه المهنة حاولوا التأكيد على هذه الحقيقة في محاضراتهم التي استمرت لثلاثة أيام بالمعهد السويدي على شاطئ المنشية بالإسكندرية التي تتفوق على القاهرة هذه المرة في أن بها منتدى للإعلام لم تعرفه العاصمة بعد.
الصحفي الذي لم يدرس تاريخ جيل عرف صحافة الورقة والقلم، سيكون جهاز المحمول المتطور بالنسبة له “لعبة” يقول إنه يستخدمها في عمله لأنه لم يعرف غيرها فيما هو يفتقد أساسيات المهنة حتى لو كانت أخباره كل يوم منشورة على المواقع ويتداولها الناس لكنهم يقرأوها لأنها متاحة لا لأنهم يبحثون عن الأفضل فهو غير موجود في معظم الأحيان بكل أسف.
الصحافة هي الأصل، والدليل أن كل الإعلاميين الذين يسيئون للمهنة وجعلوا كلمة “الإعلامي” سبة ونقيصة، إما أنهم لم يمروا على صحيفة أو يمارسوا عملا صحفيا قط، أو كانوا صحفيين فاشلين عرفهم الناس على الشاشة ولا يعرفون أصولهم، مهم جدا أن يسأل المتفرج، هذا المدعو “إعلاميا” أين بدأ ومن كان أستاذه وماذا قدم قبل أن يصبح إعلاميا؟
قلة للأسف هي من تمتعت بسجل صحفي جيد أفسدوه عندما ظهروا على الشاشة، لكنها قلة لا يمكن وضعها في الإعتبار عندما ننصح شباب المحررين بأن يتعلموا أصول المهنة جيدا، قبل أن يفكر أحدهم في أن يصبح مراسلا أو مذيعا أو قارئا للنشرة أو حتى يعمل خلف الكاميرا، فكل هذه المهام والتصنيفات تحتاج لخبرة الصحفي الذي يتحرك وينتشر ويعرف ويتواصل ويخطئ ويصيب حتى يُراكم خبرة تجعله مؤهلا للظهور على الشاشة.
ما خرجنا به من الدورة الرابعة لمنتدى الإسكندرية للإعلام، أن القارئ أو المشاهد قبل أن يصدق هذا الإعلامي أو ذاك الكاتب عليه أن يتعامل معه وكأنه عريس تقدم لخطبة ابنته، يسأل عن أصله وفصله، فإذا كان في أساسه صحفيا جيدا فإن معدل المصداقية سيكون في حدود الأمان وإن لم يكن فهو إعلامي بلا أصل لا تصدقه ولا تشاهده إلا لتعرف ما هي الكذبة الجديدة الذي طُلب منه ترويجها.