نقلًا عن جريدة المقال
الداخلية لا تعمل وحدها ولا تتحرَّك من نفسها!
من أول رئيس الجمهورية حتى أصغر أمين شرطة في الداخلية، مرورًا بمجلس الوزراء في حكومة سكرتارية الرئيس، وعبورًا بأجهزة الدولة التي تقول عن نفسها سيادية، ووصولاً إلى درجات سلم مكتب النائب العام، فإن أحدًا من هؤلاء لا يؤمن بحرية الصحافة على الإطلاق!
إنهم يكررون مأساة مصر وهم جزء أصيل في مأساتها، حيث حكم استبدادى بالقانون وبالديمقراطية ذات الأنياب والمخالب وبالحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب.
كل مَن حكمونا منذ يوليو 1952 لا يؤمنون بحرية الصحافة ولا يريدونها إلا بوقًا ونوقًا، بوقًا لتمجيد سياسة سيادته وتعظيم جنابه ومديح محاسنه، حتى لو انتهى الأمر بنكسة يونيو أو حادث المنصة أو ثورة يناير!! ويريدونها نوقًا للركوب فوقها في ركاب السلطة أو للسير خلفهم قطيعًا في موكب!
وصلنا إلى الرئيس السيسي وهو لا يؤمن لا بالديمقراطية ولا بحرية الصحافة أو في الحد الأدنى لا يرى أن هذا وقتها، فلا يعتقد أننا مؤهلون كشعب للديمقراطية (بالضبط كما أن حقوق الإنسان الأوروبي غير حقوق الإنسان المصري!!)، كما أنه وهو يحاول بناء الدولة (كما يعتقد) مش عايز وَش ومش عايز مناكفة تحت ادّعاءات الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو حرية الصحافة.
الرئيس السيسي لا يريد حرية تعبير إلا التعبير عن الإنجازات وعن عظمة ما يفعله للبلد.
الرئيس السيسي لا يريد حرية صحافة إلا الصحافة التي تغنِّي للإنجازات والمشروعات وتقول للناس اسمعوا كلام الرئيس.
الرئيس يبغي إعلام الحشد والتعبئة ودعايات الشؤون المعنوية، حتى لو فشل هذا النموذج في التجارب الماضية فهو يؤمن أنه غير كل مَن سبقوه، فحتى لو فعل نفس ما فعلوه لن تأتي النتيجة سلبية ضده؛ لأنه ليس كالآخرين طبعًا، فالرئيس يرى أنه لا يريد هذا لنفسه، هو ليس مهتمًّا بأن نحاسبه نحن كشعب، إنه فقط مركز مع الله وحده الذي سيحاسبه، ومن ثَمَّ هو لا يخاف على نفسه من حرية الصحافة بل يخاف على شعبه من أن يتأثَّر بالصحفيين إن تحرروا، فمنهم المشككون والمتآمرون والمتفلسفون واللي عاملين نفسهم زعماء وبضعة من أهل الشر، ومن ثَمَّ فإن الرئيس كي يحمي شعبه من هؤلاء يجب أن ينهي الأدوات التي بين أيديهم في التأثير.
وهكذا لن تكون حادثة اقتحام نقابة الصحفيين المصيبة الأخيرة التي ستعيشها الصحافة، بل إن الأمور ستتصاعد وستتأزَّم أكثر لتوصيل رسالة أنه لم يعد ممكنًا العودة إلى خطوط ما قبل يناير، حيث حرية صحافة محدودة وهامش حركة سياسية ونقابة تلعب دورًا للدفاع عن الشعب وحقوقه، فالرئيس وأجهزته توصَّلوا إلى أن الحرية المحدودة التي تمتَّعت بها الصحافة في أعوام مبارك الأخيرة هي التي جعلتها أخيرة، وأن الحرية التي انتزعتها مجموعات الاحتجاج السياسي؛ مثل حركة كفاية والجمعية المصرية للتغيير، هي التي عجّلت بنهاية حكم مبارك، حيث تحوَّلت الصحافة الحرة والقوى الاحتجاجية إلى مغناطيس جاذب للجماهير ومُفجِّر للغضب وباحث عن الحرية، فكانت حركة الجماهير في يناير، ثم إن الإعلام نفسه لعب دورًا شجاعًا بين التنوير والتحريض في سنة الإخوان، مما عجَّل بثورة جماهيرية ضد حكمهم، الأمر الذي تعلَّمته الأجهزة الآن وممنوع منعًا باتًّا السماح بتكرار المشهد.
هذا يعني بالقطع أن الرئيس وأجهزته لا يشعران بالاستقرار، فالثابت يقينًا أن «الداخلية» لا تعمل وحدها ولا تتحرَّك من نفسها.
ثمة خوف يحكم تصرفات الدولة، فلو كانت الأجهزة تؤمن بأن الدولة تحظى بثقة ورضا الشعب، وأن شعبية الرئيس واسعة وآمنة، وأن الإنجازات تظهر مجلجلة بنجاحاتها في الشارع، وأن المصريين يصدقون أن «تيران» و«صنافير» سعوديتان، لما كانت «الداخلية» مرتجفة إلى هذا الحد ومرعوشة للغاية لدرجة أنها تتصرَّف بوحشية وحماقة، حتى إنها تقتحم نقابة الصحفيين!!
الدولة تشعر بقلق رهيب من فشلها؛ ولذلك لننتظر منها حماقات أكثر!