محمد توفيق يكتب: لماذا يحتاج الرئيس إلى أحمد موسى؟

نقلا عن المقال

في عشرينيات القرن الماضى كتب الشيخ عبد العزيز البشري يقول: “لو أن زيور باشا ركب حمارًا فلا أحد سيحدد من هو الراكب ومن هو المركوب”!

وفي مقال آخر قال الشيخ البشري عن أحمد زيور باشا رئيس وزراء مصر بأنه “ينبغي أن يحاكَم لولا أنه سمين للغاية ولذلك سيحتار القضاء في محاكمة زيور باشا لأنه من الظلم اعتباره كله مسؤولًا عما اقترفت يداه، فهل هي يده المسؤولة أم كرشه الذي يطل عدة أمتار إلى الأمام أم صدره الذي يشبه بطيخة صيفي أصابها التلف أم أنفه الذي يشبه الكُوز أم رأسه الذي يشبه قِربة السقا؟”
لكن العجب ليس في ما كتبه الشيخ البشري ولكن العجب الحقيقي أن محكمة جنايات مصر حكمت ببراءة الكاتب، وقالت في حيثيات حكمها إن من حق الكاتب أن يسخر من رئيس الوزراء؛ حيث إن رئيس الوزراء شخصية عامة يجوز للمواطنين أن يسخروا منها.

لا أظن أن الرئيس قرأ هذه الواقعة، ولا أظنه يحب أن يعرفها؛ لكن ما يجب أن نعرفه جميعا أن المحكمة حين قضت ببراءة الكاتب كان ذلك بفضل دستور 1923.

لكن بعد أن مر قرابة قرن من الزمان صار الكُتاب يدخلون السجن لأتفه الأسباب، بل وأصبح أى محام لا يجد ما يشغله بإمكانه أن يسجن كاتبا قبل أن يذهب إلى عمله والتهم جاهزة، وذلك رغم أن الرئيس تحدث عن حبه للقراءة وأنه يحب أن يقرأ كتب الأستاذ هيكل لكنه لم يحدد أي كتاب يحبه؛ لكنه غالبا قرأ هيكل الذى يؤيد عبد الناصر وليس الذى يختلف مع السادات!

فالرئيس فى كل أحاديثه وخطاباته يبحث عن إعلام عبد الناصر، ذلك الإعلام الذى يغُنى للزعيم، ويتغنى بإنجازاته، وهذا الإعلام لن يتكرر لأسباب كثيرة منها:

أولا: الرئيس السيسي ليس الزعيم جمال عبد الناصر.

ثانيا: لأننا لسنا فى الستينيات، وعصر الزعيم الملهم انتهى.

ثالثا: قامت ثورتان على رئيسين فى عامين، وبالتالى لم يعد الناس يقدسون الرؤساء حتى لو ظل البعض كذلك.

رابعا: الصحافة إذا لم تنقد وتنتقد وتحلل وتفسر وتناقش وتخالف وتختلف صارت مجرد نشرات دورية تصدرها مؤسسات حكومية.

خامسا: الناس حين كانت تبحث عن رأى عبد الناصر كانت تقرأ هيكل، أما الآن فحين يريدون معرفة رأى الدولة ينتظرون أحمد موسى!

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل يحتاج الرئيس إلى أحمد موسي؟

الجواب: لا يحتاج؛ لكنه لا يمانع، وغالبا موسي ومن يشبهونه يتطوعون لخدمة النظام سواء بالمجان أو بمقابل الرضى عنهم، والوثوق فيهم، ولعل الدليل الأبرز ما جرى فى قضية تيران وصنافير.

ففجأة بحث النظام عن كل من يؤيده، ويقف معه، ويهاجم المختلفين معه، فالنظام لا يريد من يناقشه، ويُفضل التابعين، الموافقين، المتفقين، المتوافقين.

لكن ليس غريبا أن يحب الرئيس المؤيدين والداعمين له، فكل الرؤساء يحبون المؤيدين، فجمال عبد الناصر كان يحب من يوافقه الرأى لكن بشرط أن يكون على وزن محمد حسنين هيكل، والرئيس السادات كان يبحث عن مناصرين لكن بقدرات أنيس منصور وموسى صبرى، أما حسنى مبارك فلم يبحث عن شئ سوى الاستقرار والاستمرار فى الحكم فترك الإعلام بكل أشكاله لرؤية صفوت الشريف فجاء إليه بأمثال إبراهيم نافع وسمير رجب، وحين تم إبعاد “صفوت” عن المشهد صعد “ممتاز القط” فساهم فى سقوط النظام، فرغم فساد “صفوت” إلا أنه كان ذكيا فى اختياراته، وحين تم إبعاده استعان النظام بالدببة التى قتلت صاحبها.

وحين صعدت جماعة الإخوان إلى السلطة كان “خميس” هو خير من يمثلهم لذا كان السقوط المروع فى عام واحد فقط، وبعد رحيلهم تصدر المشهد أحمد موسي باعتباره المتحدث غير الرسمى باسم النظام، ومع كل هؤلاء بقى مصطفى بكرى فهو ناصري الهوى لكنه كان مقربا من مبارك -وصفوت الشريف هو من افتتح جريدته- وحين قامت الثورة صار الأقرب لقلب المشير طنطاوى وحين رشح الفريق أحمد شفيق نفسه صار متحدثا باسمه، وعندما أصبح السيسي رئيسا أصبح هو رأس المؤيدين!

فكل الرؤساء الذين حكموا مصر منذ ثورة يوليو يميلون إلى الصحف الطائعة، الطيعة، المطيعة، المُهللة لهم، والمُصدقة لهم حتى لو كانت كاذبة، والمدافعة عنهم ولو كانت جاهلة، والموظفة لخدمتهم حتى لو كانت تضرهم، واللاهثة خلفهم، والوطنية وفق رؤية رجال المباحث، ويريدون إعلاما يفكر بالقدم يصفق حين يُذكر اسم الرئيس، وينبهر حين يتحدث السادة المسئولين، ويندهش من طرح رؤى مغايرة، ويرى الإنجازات فقط، وينصاع للأوامر، ويرى من الزاوية المرسومة له، ولا يقرأ سوى تصريحات المسئولين، ولا يثق إلا فى التقارير الأمنية، ولا يسمع إلا كلام الخبراء المتقاعدين، ويهاجم الشعب الذي لا يقدر حجم النعم التى ينعم بها وفيها!

هؤلاء أشخاص يدافعون بجهل، ويتصدون بغشم، ويصفقون لكل قرار، ويرقصون فى كل اللجان، ويأكلون على كل الموائد، ويُطبلون لكل الحكام، وينتصرون لدولة أمناء الشرطة، ويرحبون بالقمع، ويهاجمون الشعب، ويطالبون بسجن الشباب، وسحل المعارضة، ومن هنا تكمن الخطورة ليس على البلد فحسب وإنما على النظام ذاته؛ فالإعلام الداعم يشبه تماما النظام الحاكم.