أنا صحفى، وعضو نقابة الصحفيين، وأشعر بالقلق الشديد من حالة التصعيد ضد الصحفيين، والتى بدأت قبل فترة، واشتعلت عقب أزمة اقتحام النقابة، أو «دخولها» كما تقول الداخلية. أرفض الحملة التى تهاجم الصحافة -كل الصحافة- وتسعى لإحراق النقابة وكل من يحمل قلماً.
لا أكتب هنا لتبرئة طرف وإدانة الآخر، فهناك أخطاء متتالية حدثت من الجميع، ولم يتوقف أحد ليسأل كيف نحل الأزمة. وما حدث سابقة تاريخية بالفعل، حيث اقتحمت -أو دخلت- قوات الأمن مقر نقابة الصحفيين للقبض على أحد أعضائها، وشخص آخر يعمل فى أحد المواقع الإلكترونية ليس عضواً بالنقابة، لتنفيذ قرار ضبط وإحضار صادر من النيابة بحقهما، حيث كان على الداخلية أن تراعى المكان الذى «تدخله» بهذه الطريقة، أو تنسق مع القائمين عليه، كما كان على النقابة -فى المقابل- ألا تصبح مخبأ لمطلوبين.
نتحدث طوال الوقت عن أهمية دولة القانون، وهو ما أطالب به دائماً، لكن إذا كنا نريد أن نصبح كذلك بالفعل فيجب أن يتم تطبيقه على الجميع، على المسؤول قبل المواطن العادى، وعلى الصحفى إذا أخطأ قبل أى أحد آخر، لكن فى الوقت نفسه أرفض الطريقة التى عالجت بها الداخلية الأزمة، وأياً من كان وراءها، فالقراءة الأولى والبسيطة، والتى هى أبجديات الفهم السياسى تقول إن الخطوة التى أقدمت عليها الوزارة ستُحدث أزمة، وكان يمكن تجاوزها بسهولة.
لا يعنى هذا أيضاً أن الصحفيين فوق القانون، أو أن من حقهم أن يخطئوا دون أن يُعاقبوا «ليس على رأس أى منهم ريشة»، لكنه لا يعنى أيضاً الموافقة على الهجمة المستعرة منذ تلك الليلة عبر وسائل التواصل الاجتماعى، والتى لا تسعى إلى شىء إلا لتخوين الصحفيين، والتعامل معهم باعتبارهم عملاء ومأجورين، وخارجين على القانون أو فوق القانون، وتحولت النقابة إلى «مزبلة» دعا البعض من المواقع والمنصات و«الكتائب» الإلكترونية إلى إلقاء أكياس الزبالة أمامها، حتى بدا الأمر وكأنه حملة ممنهجة للتشويه.
نعلم جميعاً أن أعضاء مجلس إدارة النقابة ليسوا هم كل الصحفيين، وأعضاء مجلس النقابة والنقيب ليسوا هم النقابة، ولا هم وحدهم من يتحدثون باسم الصحافة، وربما نختلف معهم فى توجهاتهم، وفى مواقفهم، لكن ما حدث هو نتيجة لخطأ الجميع، فلم يتصرف أحد كما يجب أن تكون دولة القانون، أخطأت الداخلية وبعض أجزاء الدولة بتصرفها الانفعالى، الذى ظهر وكأنه يُقصد به الاعتداء على حرية الصحافة، وأخطأت بالإصرار على التصعيد وشن الحرب على الصحافة والصحفيين وتأليب المجتمع عليهم، حتى بدا الأمر وكأنه حرب «طائفية» على كل الصحفيين، وأخطأت النقابة بالتعامل بانفعالية مقابلة وربما زائدة، ولم يحاول أحد الطرفين حل القضية، بل سعى كل منهما إلى إثبات صحة وجهة نظره، وأنه على حق حتى لو كان ذلك على حساب الوطن، وصورة مصر فى الداخل والخارج، التى بدا لجميع المراقبين أنها تحبس الصحفيين وتكمم الأفواه وتكبت الحريات.
وحتى كتابة هذه السطور لم يسع أى طرف للتعامل بحكمة مع الأزمة، لم يسع أحد لنزع فتيل الأزمة التى تتفاقم، وتدفع المنظمات الدولية لاستغلال القضية ضد مصر، وتتحدث عما سمته «مناخ الرعب» فى مصر، وخلقت مناخا سلبيا، بل شديد السلبية، ظلل الأجواء.
على الجميع أن يُعلى دولة القانون، ودولة القانون تعنى الفصل بين السلطات، فى دولة القانون لا تلغى سلطة أخرى، ولا تتقاتل سلطتان كى تقضى إحداهما على الأخرى، فى دولة القانون يذهب الراغبون فى تغيير قانون إلى السلطة التشريعية المخولة وحدها بذلك، أما الذين يهاجمون «السلطة الرابعة» فعليهم أن يتأكدوا أنه لا يمكن لدولة أن تقوم دون صحافة تساعد وتبنى وتوضح وتحلل وتكشف الفساد، وهذا هو دور الصحافة الذى يجب أن يعيه كل مسؤول، وهو الدور الذى يجب أن يستمر، ويجب أن تمارسه الصحافة بمهنية وحرفية وأمانة وانحياز لكل المجتمع ولصالح استقرار الدولة.
وعلى المسؤولين فى الدولة أن يتذكروا ما حدث أثناء رئاسة إبراهيم نافع النقابة، فالرجل بالرغم من أنه كان رئيس تحرير أكبر جريدة قومية، لسان حال النظام، إلا أنه أثناء أزمة القانون رقم 93 لسنة 1995 الخاص بتغليظ العقوبات فى جرائم النشر، انحاز لمهنته ضد السلطة التى ينتمى لها، لأنه كان يدرك أهمية وقيمة ودور الصحافة، وربما يبدو هذا الموقف هو أكثر المواقف التى يذكرها الصحفيون له حتى الآن.
أنا صحفى، وعضو نقابة الصحفيين، لست خائناً، ولا أعمل ضد الوطن، وأرفض تخوين الصحفيين، وأدعو إلى العمل على إقامة دولة القانون الحقيقية.
نقلًا عن جريدة “المصري اليوم”