في حضور رؤساء تحرير الصحف المنتمين لنقابة عبرت بالأمس عن غضبها من القمع والتضييق على الحريات، تجاهل الرئيس مطالب الصحفيين، وغض بصره عن أزمة مفتعلة من وزارة الداخلية، قد يكون لأن المكان والحدث غير مناسبين، لكنه لم ينس التأكيد على أنه “ما بيخافش” وأننا نريد دولة مؤسسات، في الوقت الذي استخدم فيه أحد أطراف الأزمة صوره التي التصقت بأصابع المواطنين الشرفاء وهي تلوح بإشارات بذيئة للصحفيين أمام نقابتهم، دون تنصل من الدولة أو مؤسساتها من تلك الأفعال.
وبصرف النظر عن رد الدولة على مطالب الصحفيين حاليا أو مستقبلا من عدمه، فالحقيقة أن الصحفيين والكتاب والإعلاميين الذين تعرضوا للإهانة ممن يُطلق عليهم زورا “المواطنين الشرفاء”، هم المساند الأول لمصر في الأساس وللرئيس في مواجهة عصابات الإرهابيين التي سيطرت على البلد، هم من واجهوا وعبروا عن رفضهم الخضوع لجماعات التطرف والظلامية، وهم من كتبت أسماؤهم في الأسطر الأولى التي كتبتها تلك الجماعات في وثائق وقوائم سوداء طالبت باغتيالهم، وتعرضوا للهجوم على مقار صحفهم بالمولوتوف والبلطجية، وتعرضوا لانتهاكات أثناء تغطية المظاهرات.
الصحفيون هم من أوصلوا الصورة الحقيقية للمواطنين وقت محاولات تغييبها، بل إن دعوات الرئيس نفسها للمصريين للنزول والتفويض والانتخابات والتأييد عبرت من بين أيدي الصحفيين ووسائل الإعلام ليس غيرها، وهم أيضا من يساندون الدولة في حربها ضد الإرهاب، ويقفوا إلى جوارها بحثا عن الخروج من المصاعب الاقتصادية، وهم من رسخوا لدى المواطن ضرورة احترام المؤسسات وأعادوا الروح لوزارة الداخلية بعد أن هرب معظم أفرادها وضباطها من أماكنهم في يناير 2011.
وعندما نتحدث عن يناير الثورة، فعلى الجميع تذكر دور الصحافة والإعلام في فضح ممارسات الداخلية القمعية إبان حكم الرئيس الأسبق مبارك، وحكايات التعذيب والتسلط والاعتقالات وزوار الفجر والوساطة والمحسوبيات والفساد الذي لو لم يكشفه الصحفيون يوما بعد يوم لتشكيل رأي عام واع ورافض للظلم والقهر؛ لكان كل من يتحدث الآن لم يكن ليتحرك كثيرا من موقعه القديم، وكانت أقصى أمنياته ستتلخص في أن يشاهد أفلام الستينيات في ساعة العصاري.
وبالمناسبة فالصحفيين الذين ينبطحون الآن لوزارة الداخلية التي حاولت تدنيس النقابة، هم مجرد منتفعين لا هم لهم سوى أوراق البنكنوت، وهم لن يستمروا طويلا وستلفظهم الجماعة الصحفية عاجلا أم آجلا، وسيبقى كل من ظهر في صورة الأمس المشرفة، الذين لم يتظاهرون من أجل مطالب فئوية ولم يقطعوا طريقا ولم يؤذوا أحدا، لكنهم انتفضوا فقط ليبقى ضمير الشعب واعيا، ويظل صوت الحق له منبر، ويستطيع المجتمع العودة لحائط صد ضد هجمات المسيئين لصورة الدولة من قياداتها، والذين يحاولون افتعال الأزمات مع كل فئات المجتمع لإعادة إنتاج مبادئ “داخلية العادلي”.
نهاية القول، من يقف في وجه العدوان على الحرية “ما بيخافش”، ومن يستطيع قول الحق في أي وقت وكل مكان “ما بيخافش”، ومن يقدم من بين أبناءه شهداء (ميادة أشرف والحسيني أبوضيف وغيرهم) “ما بيخافش”، ومن يقرأ في كل الصحف والمواقع أن هناك بلطجية تحميهم الشرطة (أو العكس) يحاصرون النقابة وينزل بتلك الأعداد “ما بيخافش”، ومن يقرر الدخول في مواجهة مع الحيتان الفاسدين وينشر جرائمهم “ما بيخافش”، ومن يقتنع أن اتفاقية تسليم الجزيرتين ظالمة ويهتف بأعلى صوت إنهما مصريتان “ما بيخافش”، ومن يدفع ثمن كلمته الحرة وتوصيل صوت المظلومين بمواجهة قضايا ودعاوى وبلاغات كيدية “ما بيخافش”، ومن يساند كل فئات الشعب ويفتح نقابته لكل صاحب قضية ورأي وطني “ما بيخافش”…… الصحفي الشريف “ما بيخافش”.