هالة منير بدير تكتب: كيف تكتشف أنك من "المواطنين الشرفاء" ؟!

قد حالفك الحظ لو كان ضمن قائمة أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي واحد أو اثنان على الأكثر من الموسومين بــ “المواطنين الشرفاء”، أما إذا كان العدد أكثر من ذلك ولم تقم حتى الآن بحذفهم أو حظرهم فمؤكد أنه سيُبنى لك تمثال في يومٍ ما، الأمر غير مستهجن أن يملك الجميع حفنة من “المواطنين الشرفاء” داخل دائرة معارفه، فالأمر أصبح كالوباء المستشري يطال أعز وأقرب الناس وأنت مكتوف الأيدي لا تستطيع فعل شيء!

مؤكد أيضاً أن أحد هؤلاء “المواطنين الشرفاء” سيكون إما الوالد أو الوالدة أو كلاهما، أخ أو صديق أو زميل ممن يكررون عبارات أحمد موسى وعبد الرحيم علي ومصطفى بكري بكل ثقة وفخر وإيمان، تنظر إليهم وتتأمل فيهم غير مصدِّق كيف تحوَّل هؤلاء ومتى إلى هيئة “الزومبي” التي هم عليها الآن؟! محاولاً اكتشاف السبب إذا ما كانت نفثة سحرية أو لعنة شيطانية أو غضب إلهي ألمَّ بهم، وتجاهد وتقاتل في تلجيم لسانك أمام ما يهذون!

“المواطنون الشرفاء” لا يرون غضاضة في تسليم جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، لذا كل من اعترض على التنازل عن الجزيرتين خائن وعميل! تضج قنوات وبرامج الإعلاميين المخبرين بمداخلات للواءات شرطة سابقين، ولحفنة معروفة من “المواطنين الشرفاء” لتلطيخ سمعة نقابة الصحفيين؛ أنها ليست الجامع المقدس كي لا تُقتحم، وأن أفرادها ليس على رؤوسهم الريش كي يكونوا في منعة من المحاسبة والمحاكمة، واصفين الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا بالمجرمين الإرهابيين وأن النقابة تسترت على فرارهم واختبائهم! يُصَدِّرون أكاذيب مستمرة تُقال بلغة بسيطة ليأخذها أمثالهم من “المواطنين الشرفاء” من أعضاء حزب الكنبة يلوكونها في أفواههم، ثم يبصقونها في وجوه المعترضين على اقتحام النقابة بهذه الصورة!

كيف يرى “المواطنون الشرفاء” صور السيسي محمولة فوق أكتاف من يرفعون أيديهم وأصابعهم بالإشارات البذيئة، ويضج المحيط حولها بأقذع السباب وبأحط وأحقر وأقبح الألفاظ؟!

كيف يرى “المواطنون الشرفاء” إغلاق مداخل الشارع المؤدي لنقابة الصحفيين في أوجه الصحفيين أثناء توجههم لجمعيتهم العمومية المعلن مسبقاً عنها، وفي نفس الوقت السماح لميكروباصات تحمل العشرات من نساء ورجال استخدموا سلاح الشرشحة والردح للشوشرة على اجتماع الصحفيين؟!

كيف يرى “المواطنون الشرفاء” بعضا من الإعلاميين الذين طالما كان لهم الصوت الأعلى في التطبيل للسيسي وللنظام وهم الآن ينتقدون بل يهاجمون الداخلية لاقتحامها النقابة بهذا الشكل؟، بل ويصرحون بأن الدولة ارتكبت في هذا الشأن جريمة كبرى لم ترتكبها أكثر الأنظمة استبداداً؟!

“المواطنون الشرفاء” هم من يرون في انتفاضة نقابة الصحفيين تحدياً للدولة، وأن حظر النشر في القضايا التي تمس الرأي العام شيء واجب لأن البلد في حالة حرب، وأن اعتقال الصحفيين لأنهم استخدموا حرية الرأي إجراء قانوني!

“المواطنون الشرفاء” هم المجندون تطوعاً أو مهنةً في الكتائب واللجان الإلكترونية، المفتقرون لأدنى قدر من الذكاء والتمييز، لا يُسعفهم عقلهم في تغيير نوعية وترتيب مرادفات التخوين والاتهام بالأخونة والعمالة والجاسوسية المأخوذة من قاموس بليد محفوظ!

“المواطنون الشرفاء” هم من تخرس ألسنتهم عن سفر أحمد موسى برفقة الرئاسة للتغطية الإعلامية بالخارج وهو مطلوب أمنياً لتنفيذ حكم صادر في حقه، لكن تُسن ألسنتهم على صحفيين أعلنوا اعتصامهم المسبق، ويسمون الاعتصام اختباء وتسترا من النقابة، لا يرون بطش الداخلية أثناء اعتقال أناس من بيوتها ومن القهاوي ومن النقابات!

“المواطنون الشرفاء” هم من يهللون لشجاعة وبسالة عبد الرحيم علي وهو يشهر ويشنع ويخوِّن أنقى شباب الثورة ورموزها في صندوقه الأسود، لكنهم لا يلتفتون لأي محاولة لفضح الأفاقين والفلول والأمنجية وتسريبات القبضة الأمنية ودراسات مختصي وخبراء الاقتصاد التي تنذر بالخطر الحقيقي أمام وعود لا تنتهي!

“المواطنون الشرفاء” هم من يرون في عودة ريهام سعيد ومنى عراقي اللتين طالما شهَّرتا بالأبرياء انتصاراً للإعلام والمهنية، لكن يرون في انضمام الطبيبة منى مينا للصحفيين تضامناً مع قضيتهم، تدخلا في شأن لا يخص نقابتها ونفخاً في النار وتشجيعاً على الخروج على القانون!

“المواطنون الشرفاء” لا يرون في الوجوه المشبوهة “المسجلة خطر” التي طوقَّت النقابة وقذفت المبنى بالحجارة وتتعرضت للمارة بالضرب والسب أنهم بلطجية مأجورون، بل يرونهم شرفاء أمثالهم طالما يرفعون صور السيسي ويرقصون على أغنية “تسلم الأيادي” ويسجدون مقبلين بيادة أحد الجنود!

“المواطنون الشرفاء” هم من هللوا لحملة أعلام غير علم بلدهم ولبسوا بيادة فوق رؤوسهم، لكنهم هللوا للداخلية عندما اعتقلت من حمل علم مصر وقال أن ‫#‏تيران_وصنافير_مصرية!

“المواطنون الشرفاء” هم من لازالوا مقتنعين أن بلطجية موقعة الجمل هم الإخوان، وأن الطرف الثالث والأصابع والأيدي الخفية هم أيضاً الإخوان، وأن السبب في فتح السجون هم حماس وأيضاً أيضاً الإخوان، وأن الصحفيين الذين يغردون خارج سرب الرئيس هم أيضاً إخوااااان! وأن في أي أزمة إما السيسي لا يعلم بها، أو أنه يعلم بس “ادبح يا سيسي” واخبطوا راسكم في الحيط واشربوا من البحر، ولو اعتذر للصحفيين هنزعل منه، وأنا مابخافش 10 مرات وتحيا مصر 3 مرات!

“المواطنون الشرفاء” هم الذين لا يتذكرون أن الصحافة هي مهنة البحث عن المتاعب من أجل كشف الحقيقة، واختراق الصعاب من أجل توصيل صوت المغلوبين على أمرهم لينتزعوا حقوقهم، وأنها واسطة من لا يملكون ظهراً ولا سنداً ليحس بهم المسؤولون!

الصحافة جريمة في عقيدة المواطنين “الشرفاء”، بل إنها جريمة في أعين عدد ليس بالقليل من المنتمين للصحافة، وللأسف، قد تُوضع مِهنٌ أخرى في خانة هذا الجرم المشهود إذا وقف أصحابها مطالبين بحقوقهم في وجه الدولة، محتجين على التعامل الأمني المشين تجاه أحد من أعضائها، لو كانت نقابة الأطباء قد صعَّدت الاحتجاج عند اعتداء أمناء الشرطة المتكرر على أطبائها، لكان الطب جريمة، ولو كانت نقابة المحامين فعلت المثل حين تعرَّض المحامون للضرب مراراً وتكراراً بأيدي ضباط الأمن، لكانت المحاماة أيضاً جريمة.

#الصحافة_ليست_جريمة..

#الصحافة_مش_جريمة..