نقلا عن المقال
هل هناك أى فرق بين هؤلاء الذين حاصروا نقابة الصحفيين وأولئك الذين حاصروا مدينة الإنتاج فى حكم الإخوان؟
نفس التصرُّف والمسلك.. نفس العداء والعدوان.. نفس البلطجة والترويع.. نفس قلّة الحياء وقلّة الأدب.. نفس بثّ الكراهية ضد الصحفيين ونفس الاتهامات ضد الإعلاميين ونفس الحماية الأمنية!
لا شىء مختلف بين هؤلاء الذين حاصروا نقابة الصحفيين فى حكم السيسى وأولئك الذين حاصروا مدينة الإنتاج الإعلامى فى حكم الإخوان.
هل تتذكَّرون أم نسيتم هؤلاء المئات من السلفيين والإخوان الذين تجمَّعوا واحتشدوا أمام بوابة مدينة الإنتاج الإعلامى فى عام محمد مرسى الميمون(!!)؟
لقد هتفوا لعدة أسابيع ضد الصحفيين والإعلاميين، واتهموا الإعلام بأنه يحجب إنجازات الرئيس، وأن الإعلاميين هم أهل الشيطان وسحَرة فرعون، وعلقوا صورهم مشنوقين على أسوار مدينة الإنتاج، وخصَّصوا الخطب ضدهم والأدعية فى الصلاة عليهم، ثم كانوا يمنعون مرور الإعلاميين والسياسيين الداخلين إلى مدينة الإنتاج الإعلامى، واعتدوا على إعلاميين وصحفيين وحطّموا سيارات البعض، وكان هذا كله دون أن تمتد يد شرطى من داخلية وقتها تمنع أو تحمى أو تفضّ أو تردع!!
تغيَّر النظام (أو هكذا المفترض!) وجاء رئيس منتخب بنسبة غير مسبوقة، فماذا جرى بعد عامَين من حكمه؟
عُدنا لنرى المئات أو ربما العشرات من هؤلاء الذين يحاصرون مبنى نقابة الصحفيين تحت رعاية وحماية وتواطؤ وتوافق مع نفس الشرطة، ويهتفون لرئيسهم نفس الهتافات القديمة ويسبّون الصحفيين ويلعنونهم ويحاولون الاعتداء عليهم ويعتدون فعلاً ويهرفون موتورين باتهام الصحفيين أنهم أهل الشر (بعدما كانوا أهل الشيطان وسحرة فرعون)!
بذمتك وضميرك هل هناك فرقٌ فعلاً بين المشهدَين؟
نفس التصرف وذات المسلك، نفس العداء والعدوان، نفس البلطجة والترويع، نفس قلّة الحياء وقلّة الأدب، نفس بثّ الكراهية ضد الصحفيين والإعلاميين واتهامهم بأنهم يعطِّلون تقدُّم البلد ونفس الحماية الأمنية!
هى السلطة إذن حين تكره الحرية وحين تعادى الإعلام.
سواء كانت سلطة إخوانية تستند إلى انتخابات حرة جلبتها إلى الحكم، أو لأنها سلطة الرئيس المصلِّى المتوضِّئ الملتحى (جاءكم رئيسٌ ملتحٍ.. كبّروا!!)، أو سلطة تقول إنها ضد الإخوان وتستند إلى انتخابات أو تفويض الملايين، وإنها سلطة ترعى ربنا فينا وتعمل حساب يوم حساب ربنا لها!
والنتيجة واحدة.
هذه جماعة إخوانية استدعت مهاويسها.
وهذه سلطة غير إخوانية جلبت مأجوريها.
واقعة الزميل الكاتب الصحفى خالد داود كاشفة للغاية، فقد تعرَّض الرجل بعد ثلاثين يونيو باعتباره وقتها المتحدِّث الرسمى باسم حزب الدستور، إلى اعتداء غاشم من حصار إخوانى فى شارع قصر العينى، حيث كانت مظاهرة إخوانية عابرة وقد اعتدوا على خالد داود، وكادوا يقتلونه بغرز سنّ مطواة فى شريان يده، بل إن طبيبًا إخوانيًّا صادف وجوده فى المستشفى القريب امتنع عن علاجه، عقابًا لداود على ثورته مع ملايين المصريين ضد الإخوان.
أول من أمس، تعرَّض خالد داود نفسه إلى اعتداء سافر بالأيدى والأرجل من هؤلاء الذين يرفعون صور الرئيس السيسى ويحاصرون نقابة الصحفيين حين كان خالد داود يخرج من مقر النقابة عقب انتهاء اجتماع الجمعية العمومية.
إذن هى نفس الأدمغة ونفس النوعية ونفس القطعية ونفس الإجرام المحمى والمحصن من الأجهزة الأمنية التى لا تحترم قانونًا ولا دستورًا ولا تحترم حتى نفسها، وتستخدم البلطجة سواء فى عصر السيسى أو فى عصر الإخوان، لتنفيذ تعليمات سيّدها أيًّا كان سيّدها ملتحيًا أو حليقًا!
لكنَّ فارقًا مهمًّا يبقى رغم كل ذلك، فالإخوان كانوا يفعلون ولا يزالون يفعلون كل إجرامهم ضد الإعلاميين والصحفيين منطلقين من عقيدة مهووسة تمتلكهم، يستعد الإخوانى معها لأن يصبح قاتلاً أو قتيلاً، فهى فكرة سوداء ومظلمة لكنها فكرة!
بينما هؤلاء المحاصرون لنقابة الصحفيين تحت رعاية الأجهزة الأمنية إنما تجلبهم الفلوس وأوامر البيه الضابط فى القسم، ثم هم مَن ينطبق عليهم تمامًا تشريح عبد الرحمن الكواكبى فى كتابه «طبائع الاستبداد»، فقد وصفهم بالعوام، وﻫﻢ ﻗﻮﺓ اﻟﻤﺴﺘﺒﺪ ﻭﻗﻮﺗﻪ، (ﻭاﻟﺤﺎﺻﻞ ﺃﻥ اﻟﻌﻮاﻡ ﻳﺬﺑﺤﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺄﻳﺪﻳﻬﻢ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺨﻮﻑ اﻟﻨﺎﺷﺊ ﻋﻦ اﻟﺠﻬﻞ ﻭاﻟﻐﺒﺎﻭﺓ، ﻓﺈﺫا ارتفع اﻟﺠﻬﻞ ﻭﺗﻨﻮَّﺭ اﻟﻌﻘﻞ ﺯاﻝ اﻟﺨﻮﻑ، ﻭﺃﺻﺒﺢ اﻟﻨﺎﺱ ﻻ ﻳﻨﻘﺎﺩﻭﻥ ﻃﺒﻌًﺎ ﻟﻐﻴﺮ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﻢ، ﻛﻤﺎ ﻗﻴﻞ: اﻟﻌﺎﻗﻞ ﻻ ﻳﺨﺪﻡ ﻏﻴﺮ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﻻﺑﺪ ﻟﻠﻤﺴﺘﺒﺪ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﺰاﻝ ﺃﻭ اﻻﻋﺘﺪاﻝ).
يبقى السؤال فعلاً: متى يحاصر المواطنون الشرفاء (..) مدينة الإنتاج الإعلامى؟!