يخرج علينا الرئيس في خطابات ودية، يتخفف فيها من اللغة السياسة، يتباسط في الحديث، فيعاتبنا، ويطالبنا، يصارحنا، وينصحنا، وهنا سأتبادل معه الأدوار، أستخدم نفس لغته، وأحاجه بنفس منطقه، وأطالبه وأعاتبه، لكن الفارق أننا نسمعه، وهو قد لا يسمعنا.
مكنش العشم يا ريس، مكنش العشم أن تتجاهل جموع الصحفيين في أزمتهم مع وزارة الداخلية، إحنا يا ريس الصحفيين اللي وقفنا جنبك في خندق واحد يوم 30 يونيو، إحنا اللي حطينا إيدينا في إيدك، إحنا اللي ندهنا عليك “إنزل يا سيسي”، ورددها خلفنا ملايين المصريين.
إحنا يا ريس الصحفيين اللي شيلنا أرواحنا على كفوفنا، ولو لم تنجح ثورة 30 يونيو، يعلم الله ما كنا سنتعرض له من تنكيل، وزج في السجون، وتهديد لأرزاقنا ومستقبلنا.
إحنا يا ريس الصحفيين اللي مخوفناش أيامها برضو، وقدمنا خطوة عن كل فئات الشعب، إحنا يا ريس الصحفيين اللي أسامينا كانت على رأس قوائم الإخوان للاعتقال بعد اسمك مباشرة.
إحنا يا ريس الصحفيين اللي اشتبكنا بالأقلام والحناجر مع الإخوان، وهم على رأس السلطة، وفي عز الجبروت.
إحنا يا ريس الصحفيين اللي طمنا الناس من ناحيتك، وقولنالهم الجيش هيحميكم، انزلوا متخافوش، إحنا يا ريس الصحفيين اللي خبطنا على كل بيت من شاشات التلفزيون، وكتبنا على كل قصقوصة ورق “يسقط يسقط الإخوان.. يسقط كل خاين وجبان”.
إحنا يا ريس الصحفيين اللي قدمنا شهداء من بين أبناء الجماعة الصحفية، زى شهداء الشرطة بالظبط، ولحد دلوقت نارنا مبردتش على دم عيالنا اللي سال في الشوارع، وهم بيكشفوا ويصوروا بلطجة الإخوان وإرهابهم، ومقدرناش نقتص لهم غير برصاص الكلمات.
مكنش العشم يا ريس، مكنش العشم ألا تقدر مشاعرنا تجاه اقتحام بيتنا الصحفي، وانتهاك حرمته، مكنش العشم يا ريس أن تقف صامتا ويد الأمن تنتهك القانون، وتهيننا وتدوس على كرامتنا.
لا تظن يا ريس أن هذا العشم هو استجداء، أو رغبة في تجاوز القانون، بل هو مطالبة بتطبيقه، وهو حسن ظن بحرصك عليه، مكنش العشم يا ريس ألا تحقق وتدقق في حقيقة ما حدث من اقتحام لنقابة الصحفيين، وتكلف جهة محايدة بالتحقيق فيها، بعد إصرار “الداخلية” على مغالطاتها، وبيان النائب العام المتعجل والمعيب قانونا.
كنا ننتظر منك لجنة قضائية مستقلة تقف على حقيقة الموقف القانوني، فيما تم من إجراءات لاقتحام النقابة وتفتيشها، أو تشكيل لجنة مماثلة تحت إشراف البرلمان، ويكون على المخطئ الاعتذار، فهذه هي الهيبة الحقيقية للدولة.
كنا ننتظر معاقبة من أخطأ من وزارة الداخلية بإصدار هذه التعليمات، رغم وجود أكثر من طريقة لتنفيذ القانون دون إهانة الصحفيين، ودون افتعال الأزمات، ودون مكايدة أمنية وتصفية حسابات.
مكنش العشم يا ريس، أن تحذرنا من الانقسام والتفتت، وتقف صامتا بينما نتحرك إليه بخطوات متسارعة، وتترك عقليات أمنية غير سوية توقع بيننا وبين فئات الشعب الأخرى، وتزرع بيينا الشقاق، فتحولنا من خانة الشركاء إلى خانة الأعداء، ما يهدد السلم الاجتماعي، ويستعدي فئات الشعب على بعضه.
مكنش العشم يا ريس أن يتم تأجير مسجلين خطر وبلطجية ومسجلات آداب، برعاية أمنية، يرفعون صورك في يد، ويشيرون بالأخرى إشارات بذيئة إلى الصحفيين، بينما تولت ألسنتهم توجيه السباب لنا بأمهاتنا، والطعن في أعراضنا، فأساء من استأجرهم إليك قبل أن يسيء إلينا، وعهدناك عفيف اللسان حتى في غضبك.
مكنش العشم يا ريس أن تعاقب جموع الصحفيين (أكثر من 11 ألف صحفى)، يؤيدك منهم الآلاف، لمجرد أن الأجهزة الأمنية ترى أن بينهم من أخطأ، وهم أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة، فكيف تخسر الجماعات من أجل أفراد؟!.
التحصن بفكرة عدم تدخل الرئيس في كل الأزمات، وترديد عبارة دولة المؤسسات، يبدو تبريرا واهيا، فأنت أدرى الناس بأنها مؤسسات لم تحفظ توازنها بعد، وتعاني من خلل، تدخلت بشخصك أكثر من مرة لإصلاحه وحفظ اللحمة الوطنية، فلماذا هذا الصمت في أزمة الصحفيين؟!.
لن أدخل في تفنيد الاتهامات الموجهة لبعض أبناء الجماعة الصحفية، فهي اتهامات يفصل في حقيقتها القضاء، لكن سأقول لك نفس كلماتك عن جرائم أفراد الداخلية، إنها “أخطاء فردية لا يجب أن يحاسب عليها المجموع”، وإذا كان هناك احتمال أن يكون هناك من أخطأ بين صفوف جماعتنا الصحفية، فلا يجب أن تكون النتيجة هي كسر جموع الصحفيين، وإهانتهم، وإنزال عقاب جماعي بهم.
وإذا كان هناك من توجه له الدولة أصابع الاتهام بتهديد استقرارها، والعمل ضد مصالحها، فحاشا أن تتستر عليه الجماعة الصحفية، وهي أقدر على تطهير نفسها من الداخل، دون أن تمتد يد الأمن لتعبث بأمعاء الجسد الصحفى.
وإذا كان اقتحام نقابة الصحفيين أمرا هينا فى نظر الدولة، وهو ليس كذلك في حقيقته، فإنه كبير ومهين في نظر أبناء صاحبة الجلالة، لأن نقابتنا هي قلعتنا وبيتنا وملاذنا، قبل أن تكون مقصدا لكل صاحب حاجة أو مظلمة.