قد يبدو السؤال صادماً بعض الشيء، لكن الصدمة هي ما أقصده بالتحديد لأننا أمام ظاهرة يندر أن تتكرر بين مشجعي كرة القدم وهي حالة “كره المنافس” وليس “تشجيع فريقك”، إننا أمام حالة فريدة وهي حالة بعض الجماهير الزملكاوية التي اختارت أن تشجع نادي الزمالك ليس حباً فيه ولكن كرهاً في النادي الأهلي لأنهم يبغضون الأهلي ومشتقاته، هم شجعوا الزمالك لأنه النادي الوحيد الذي يستطيع على فترات متباعدة أن يكسر أحيانا غرور الأهلي، وهذه المجموعة ربما لا يحبون الزمالك أو على الأقل لا يشجعونه، ولكنهم يحتفون فقط بانتصاراته عندا في الأهلي والأهلاوية، إنها ظاهرة جديرة بالدراسة، ربما لها أساس نفسي وهو الكره اللاإرادى للشخص أو المجموعة القوية والمسيطرة!!!!
وهؤلاء الفئة من المشجعين تميزهم مجموعة من المظاهر:
أولاً: تجد أنهم لا يعنيهم تماماً من الفائز بالدوري أو الكأس إذا خرج الأهلي من المنافسة، ويرددون كلاما من نوعية “الإسماعيلي إخواتنا وأندية القناة حبايبنا والاتحاد ابن عمنا وإنبى كان قريب جوز خالتنا”، وحاجات كده!!!!
ثانياً: تجدهم يفرحون بهزيمة الأهلى أكثر من فرحتهم بانتصار الزمالك!!
ثالثاً: تجدهم سعداء في حالة خسارة الأهلي والزمالك معاً.
رابعاً: يشجعون أي نادي يلعب ضد الأهلي حتى لو كان خارجيا.
خامساً: يكرهون كل لاعبي الأهلي بلا استثناء، سواء القدامى أو المعاصرين.
وهذه الظاهرة الغريبة والنادرة بالتأكيد لها أسباب معروفة ومعلنة ولكن لها أيضًا أسبابا كامنة تحتاج إلى محلل نفسي لاكتشافها.
فالأسباب التي يعلنوها هي إحساسهم المطلق بالتحيز الدائم للأهلي سواء من القيادات السياسية أو الرياضية أو حتى التحكيمية على مر العصور، وتجد هؤلاء يكثرون من الحديث عن مظاهر ظلم تحكيمية كلاسيكية بعضهم شاهدها بنفسه وبعضهم سمع عنها في الحكايات فقط، ويعودون بالزمن إلى وقائع قديمة من نوعية شلوت حارس الأهلي الفلسطيني “مروان كنفاني” لنجم الزمالك “فاروق جعفر” في مباراة موسم (71-1972) بعد أن سجل ضربة جزاء في مرماه ليتقدم الزمالك (2-1) وانقلب الملعب فوضى وتم الغاء الدوري، رغم أن المنطق (من وجهة نظرهم) يقول إن المباراة وربما الدوري يفترض أن يكون لصالح الزمالك لأن الفوضى بدأت من جماهير الأهلي ولاعبه.
ويتكلمون كذلك كثيرا عن هدف “حسن شحاتة” الملغي في مرمى الأهلي في مباراة الدور الثاني لموسم (81-1982) والذي كان كفيلاً باقتراب الزمالك من الفوز بالدوري، لولا أن احتسبه الحكم “محمد حسام” تسللاً بناءً على الراية السافرة من حامل الراية “عبد الرؤوف عبد العزيز” (والد الحكم “ياسر عبد الرؤوف”)، والهدف بشهادة الجميع لم يكن تسللاً على الاطلاق.
بل تجدهم يتذكرون وقائع معاصرة من نوعية التمثيلية التي حصل بها “محمد أبو تريكة” على ضربة جزاء في مباراة حرس الحدود في الدور الأول في موسم (2004-2005)، أو هدف التعادل الذي سجله “أبو تريكة” في موسم (2008-2009) في المباراة الختامية أمام طلائع الجيش بعد أن دفع بيده مدافع الطلائع، وتسبب التعادل ثم الفوز في وصول الأهلي لمباراة فاصلة أمام الإسماعيلى حصل بها على الدوري بهدف سجله الأنجولي “فلافيو” بعد أن كان الدوري قريبا من الإسماعيلي، واعتبرت تلك الفئة من الزملكاوية تلك الطعنة موجهة إليهم رغم أن الزمالك وقتها خرج مبكرا من المنافسة، وضاعف إحساسهم بصحة آرائهم، اعتراف “أبو تريكة” مؤخراً، بالتمثيل في الواقعة الأولى والدفع في الواقعة الثانية، في أحد البرامج التليفزيونية.
لكن أكثر ما يستفز تلك الفئة من الزملكاوية، فعلاً، هي الظاهرة التي ربما يتميز بها الأهلي عن كل أندية القمة في العالم وهي تسجيل أهداف قاتلة في اللحظات الأخيرة من مبارياته، والأكثر استفزازا بالنسبة لهم هو إصرار الأهلاوية على الادعاء بأنهم كانوا واثقين من الفوز وأنه لم يدخل إليهم الشك لحظة في أن الأهلي سوف يسجل ويحقق الفوز أو البطولة، ولذلك كانت الفرحة أسطورية لهؤلاء الزملكاوية بسبب خسارة الأهلي الأخيرة من وادي دجلة خصوصاً أن هدف فوز دجلة كان في الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع، على غرار أهداف الأهلي الشهيرة، فكانت الفرحة غامرة لأن الأهلي ذاق من نفس الكأس.
ولكن أبرز ما يمكن أن يتذكره الزملكاوية المخضرمون، هي مباراة في أوائل التسعينات لا يمكن أن ينساها كل من شاهدها خصوصا الزملكاوية وبالتحديد تلك الفئة، وهي مباراة المريخ البورسعيدى والأهلي في الدوري العام موسم (90-1991)، وكان المريخ وقتها يضم فريقا قويا بقيادة “طارق سليمان” نجم المنتخب في ذلك الوقت، والعائد من الاحتراف في نادي نيوشاتل السويسري، وكانت المباراة في بورسعيد، وفاجأ الجميع في بداية المباراة لاعب اسمه “قاصد فاروق” وسجل هدفا تاريخيا في مرمى حارس مصر في المونديال “أحمد شوبير”، لدرجة أن اللاعب أصيب بما يشبه الإغماء من شدة الفرحة، وضاعف شجون الأهلاوية، تسجيل النجم “طارق سليمان” للهدف الثاني للمريخ من تسديدة صاروخية، وضغط الأهلي بقوة في الشوط الثاني حتى تمكن “طارق خليل” من تقليل الفارق وتسجيل الهدف الأول، وبعدها حاول الأهلى بكل الطرق إدراك التعادل إلا أنه فشل، وفي واحدة من أكثر الوقائع التحكيمية سفورا، احتسب الحكم وقتا ضائعا لا محدودا بمعنى الكلمة، وكأنه قرر أن المباراة لن تنتهى قبل أن يسجل الأهلي هدف التعادل، وزاد التحدي عند لاعبي المريخ مع توالي هجمات الأهلي واصرار الحكم على عدم اطلاق صافرة النهاية، حتى حدث ما يشبه المعجزة حينما تجرأ لاعب اسمه “وليد الكاس” وانطلق منفردا بمرمى الأهلي وسجل الهدف الثالث، ليضطر الحكم إلى اطلاق صافرة النهاية بعد انهيار لاعبي الأهلي واستحالة تحقيقهم للتعادل.
ولذلك فإن هذه الفئة من الزملكاوية تجد مبررات تاريخية ومعاصرة لحالة الكره والعداء للأهلي، وتكره ما تعتبره من وجهة نظرها بلطجة وجبروت الأهلي ومشجعيه، لدرجة أن تلك الفئة تتعامل مع نادي الزمالك باعتبار فقط أنه الوحيد الذي يمكن أن يصمد قليلا أمام بلطجة الأهلي، ويصرون على بقاء الزمالك متماسكا لانهم مقتنعون بأنه في حالة سقوط الزمالك سوف يحصل الأهلي على كل البطولات دون أي رادع!!!! إنها حقا ظاهرة عجيبة!!!!!!!