وليد رشاد
تعودت في مجال عملي كمراسل تلفزيوني على المفاجآت المهنية والأخبار غير السارة، ولكن بعد توجهي للنوم مساء يوم الأحد فوجئت بتكليفي بالنزول لتغطية حريق ضخم في العتبة، وخلال رحلتي العملية قمت بتغطية حرائق ومظاهرات وغيرها ووفقاً للقراءات المبدئية على السوشيال ميديا توقعت أن يكون الحريق كبيراً، ولكني قدرت نظرياً عندما تم إبلاغي بالتصوير في الثالثة صباحاً أنني سأعود للمنزل في السابعة أو الثامنة صباحاً على أقصى تقدير، ولكن عندما توجهت إلى الموقع، فوجئت بحريق ذو طبيعة مختلفة فهو حريق متعدد الاشتعال، كلما انطفأ جزء منه اشتعل جزء آخر، وتوجهنا إلى جراج العتبة لكي نكون مواجهين للمبنى الذي بدأ به اندلاع الحريق وهو المبنى المسمى بمبنى الأندلس لاحتوائه على فندق الأندلس في الدورين العلويين، ولكن للأسف المبنى عبارة عن شقق مؤجرة متعددة لكي تستخدم كمخازن أو مصانع لسلع مختلفة كالملابس والأحذية والشنط وغيرها، وأدت طبيعة هذا المبنى ومحتوياته إلى تكرر الاشتعالات لأنها مواد تساعد على الاشتعال، وسمعت أن بداية نشوب الحريق كانت في فرشة أحذية أسفل المبنى .
وقررت النزول للتغطية الميدانية وتوجهت إلى خلف مبنى الفندق لأفاجأ بشوارع جانبية ضيقة جداً بها امتداد للحرائق وعمارات ومحلات أخرى منكوبة، وبضاعة ملقاة على الأرض (في مشهد موجع) وسط برك طينية نتيجة تفاعل مياه الإطفاء مع تراب الشارع، وشعرت بغضب مكتوم لدى الباعة بسبب ضياع شقا عمرهم، وهمهمات وتساؤلات حول تكرار الحريق في نفس المنطقة منذ أسبوع واحد في شم النسيم ووقتها تم تدارك الأمر، وبالمناسبة الحريق المحدود الأول كان مساء الأحد أيضاً، وتكلم بعض الباعة عن احتمالية أن يكون الحريق مدبراً لطردهم من المنطقة أو توجيههم لمنطقة أخرى.
وفجأة أدركت أن الشارع الضيق خلف مبنى الفندق يضم محل أسلحة ومحل بويات وهو ما ينذر بكارثة لو اشتعلت النار ووصلت لمحتوياتهم، وبعد أن بدأت ثورة البائعين تتصاعد ومع تلقيح الكلام على الإعلام الذي لا يهتم بمشاكلهم ولا ينقل الحقيقة، وغيرها من الجمل التي تعود عليها كل العاملين في وحدات التقارير الخارجية، تحركت عائداً إلى أمام جراج العتبة ليظهر في الكادر اللواء “أحمد تيمور” القائم بأعمال محافظ القاهرة والذي حضر لتفقد الأوضاع، وكان حواره معي رسمياً لدرجة كبيرة حول أخطاء أصحاب المحلات ونقص وسائل الحماية المدنية لديهم، وتكلم عن تواجد قوات الإطفاء بالإضافة إلى قوات الجيش للسيطرة على الحريق، وحينما سألته عن التعويضات على اعتبار ما لمسته بنفسي من خسائر فادحة، أجاب بدبلوماسية شديدة: “عندما نحدد أولاً المتضررين يمكن أن نحدد بعدها التعويضات”!! (على اعتبار أنها منطقة تجارية وكلها عبارة عن مخازن بضاعة). وكذلك زار الموقع المهندس “شريف اسماعيل” رئيس مجلس الوزراء الذي لم يستمر في المكان أكثر من بضعة دقائق دون أي أحاديث صحفية أو تلفزيونية.
وتحركت مع المصور لتفقد الأوضاع بدون كاميرا في الشوارع الجانبية ولكننا فوجئنا أيضاً بحريق محدود في العقار رقم 8 في شارع الجيش، وهو حريق محير تماماً لأن شارع الجيش بعيد عن منطقة الحريق في الرويعي ولم نفهم كيف امتدت النيران كل تلك المسافة، ولكن قوات الإطفاء استغرقت وقتاً في إطفائه ولم يطفأ إلا عندما توجه رجال الإطفاء إلى سطح العمارة المقابلة وأطلقوا خراطيم المياه عكس المجموعة الأخرى.
وظل المكان عموماً معبأ برائحة الدخان الذي يمكن أن تستنشقه بمجرد دخولك أى من الميادين المحيطة بميدان العتبة، وهو دخان يختلف عن دخان أي حريق آخر ويقترب من الغازات المسيلة للدموع التي كانت تطلق أيام التحرير، لأن الحريق التهم مواد كيماوية وبلاستيكية، صنع منها الحريق ما يشبه الأبخرة الكيمائية التي تُسبب ضيقا في التنفس واحتقانا بالعيون، وغادرت في فترة الظهيرة بعد أن اختنقت من الغاز لكي أحصل على قسط من الراحة والهواء النقي وعدت في المساء للموقع لأجد مبنى الفندق ما زال به أجزاء مشتعلة، والفارق الوحيد في مظهر اشتعال هذا المبنى هو رقم الدور الذي يزداد اشتعالاً، فتارة الأول أو الثاني أو الثالث، وعندما رجعت كان الاشتعال في الدور قبل الأخير، وبدأ البعض يتكلم عن ضرورة هدم المبنى لأن الحريق يتمركز في منتصفه ولا تستطيع قوات الإطفاء الدخول لتلك المنطقة لخوفهم من تصدع المبنى بالكامل من تأثير الحريق والمياه، ولذلك فانهم يضطرون لإطلاق المياه من الخارج في ظل الظلام الدامس إلا من إضاءات سيارات الإطفاء لأنه من الصباح تم قطع الكهرباء عن المباني المحروقة والمهددة بالحريق كإجراء احترازي، وبذلك وحتى مغادرتي، يُكمل الحريق 24 ساعة وهي مدة كبيرة جداً لإطفاء حريق وبذلك يدخل التاريخ القياسي، ويقترب هذا الحريق من حيث ضخامته واستمراريته والخسائر المترتبة عليه من الحرائق الكبيرة في مصر، من نوعية حريق القاهرة في سنة 1952 وحريق الأوبرا القديمة عام 1971، وفي نهاية اليوم الصاخب أعود للمنزل بعد يوم حافل بالتغطية الصعبة والدخان والإرهاق ولكن يظل يتردد فى أذني تساؤل العنوان، وهو: هل حريق العتبة بفعل فاعل؟؟!! أم أنه حريق قدري؟؟!!
هذا ما يمكن أن نكتشفه في الأيام القادمة ولكن الأرجح أننا لن نعرف أي شيء يتعلق به على غرار الحرائق الشهيرة في مصر، ومنها حريق القاهرة والذي لم يعرف أحد حتى الآن سببه أو المتورطين الحقيقيين فيه!!!!