جاء اقتحام مقر نقابة الصحفيين من قبل قوات الأمن في الأول من مايو في سابقة هي الأولى من نوعها على مدار 75 عاما بمثابة القشة التي قسمت ظهر الصحافة والصحفيين، الذين اكتشفوا أن ثوب الصحافة مهلل رث، وكأن الدولة تريد للصحافة أن تستمر عاجزة، وكل الدلائل تشير أنها لا تريد صحفيين إلا بمواصفات خاصة، وشروط تضعها بنفسها علها تضمن السيطرة على أصحاب الرأي، وتضمن قيامهم بدورهم في تضليل الرأي العام، من خلال كتاب ناقلين لسياستها، مدافعين عنها، عملا بمقولة “انصر أخاك” فلا تكشف سوءته، ولا تفضح عيوبه.
ولذا بعد كل الأحداث التي وقعت على مدار الأيام الماضية بصورة تهين صاحبة الجلالة والعاملين فيها، لم يبقَ أمامنا إلا صنع صحفي خاص لكنه لا يخرج عن الأنواع التالية.
الصحفي العاجز
الصحفي المصري يعمل في العديد من الصحف والجرائد، إلى جانب العمل في القنوات الفضائية بين الإعداد وتحرير الأخبار والتصحيح، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل إن بعض الصحفيين امتهنوا مهنا أخرى غير الصحافة، وبالفعل يوجد العديد من الشباب المصري الذين قامت على أكتافهم مهنة البحث عن المتاعب إلا أنهم هجروها سريعا، عندما اختلفت القواعد، وتبدلت المبادئ، باحثين عن مهن أخرى بحثا عن لقمة العيش، ومنهم من ترك القلم بحثا عن رزق أوفر في وزارة أو جهة حكومية، فرأينا المتحدث الإعلامي والمستشار الإعلامي، الباحث عن لقمة العيش التي تضمن له حياة كريمة، وذلك في ظل تعنت الدولة، وتدني رواتب الصحفيين، بل إن البعض لا يتقاضى راتبا على الإطلاق، هذا إن لم يتم إغلاق الصحيفة وتسريح العاملين فيها، وهنا أصبح الصحفي المصري فقيرا بلا مال، وكأن الدولة تريده في حالة لهاث دائمة وراء لقمة العيش، حتى لا يجد الوقت للتفكير والتحليل والبحث عن المعلومة.
الصحفي منزوع الثقة
كان القارئ المصري قديما يستشهد بكلمات الكُتاب المنشورة في الصحف، بل كان القراء يشترون الصحف لأجل كاتب بعينه، للإستعانة برأيه فيما يحدث على الساحة من قضايا، ثقة في الكاتب وفيما يكتب، لكن الآن افتقد القارئ هذه الثقة، ولم يعد هناك الكاتب الذي يبحث عنه قارئه، في حين أن هذا القارئ أصبح الآن يتجه إلى كل ما هو ممهور بتوقيع “الخواجه”، عازفا عن كل ما كتب في مصر من كُتاب مصريين.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل أصبح القارئ المصري يبحث عما يكتبه غير المصريين، مستمعا إلى نصائحهم فيما يجب عليه فعله، وما لا يجب، وأصبح القارئ الآن يتبع الأجنبي، ويأخذ من مقالاته وتحليلاته “البعيدة عن واقعنا” الأسس الذي ينبغي أن نسير عليها، في بلد تختلف في طباعها وعاداتها وتقاليدها عن بلد الكاتب الأجنبي الذي يستقي منه القارئ الرأي.
في المقابل يمنح الساسة والقادة السياسين والمسئولين هؤلاء الكتاب “الخواجات” صك الثقة، في حين يمنعها هؤلاء عن الصحفي والكاتب المصري، وكأن المسئولين يريدونها صحف فاقدة للمصداقية، وصحفيين فاقدين للثقة.
صحفي السحر والشعوذة
اهتمت الصحافة بتسجيل مزاج الشعوب وفنونها وقضاياها، ففي الماضي كانت الصحافة تدعو للإصلاح الاجتماعي، ولذا ساندت المرأة، والعامل، والفلاح، والمواطن البسيط الكادح، دفاعا عن قضاياهم، قدمت على صفحاتها الموضوعات الفنية التي خدمت الفن وساهمت في رقيه، كما قدمت الأدب، والقصة القصيرة، والرواية الطويلة التي نشرت مسلسلة على صفحات الصحف.
الآن اختلفت القضايا، وساءت الأذواق، وعادت الأفكار الرجعية التي حاربتها الصحف منذ ما يزيد على المئة عام تتصدر العناوين، فالمرأة التي تحررت من سنوات طويلة، وحصلت على حقها في التعليم، والعمل، وممارسة السياسة، الآن تفرد الصحف صفحاتها للرجعيين للحديث عن فرضية النقاب، وجواز زواج الإنسان بالجن، وغيرها من أعمال السحر والشعوذة، وعاد بنا الزمن للخلف بما يحمله من جهل وظلام، فعدنا الآن نقرأ القصص والحكايات السخيفة التي سممت عقول المصريين وأفكارهم، وكأن الهدف هدم الصحافة، وغلق الصحف، وتجويع الصحفيين، وجاءت رسالة المسئول للصحافة والصحفيين إما تسطيح الأفكار والعقول، وإما قصف الأقلام وتكسير عظام حامليها.
الصحفي المشبوه
الصحفي لا يملك سوى قلمه وضميره وقانون يحميه، حتى يتمكن من توصيل رسالته، ولكن ظهر الكثيرين ممن لا يبغون توصيل الرسالة، فحاربوا القانون محاولين السيطرة على الصحف والصحفيين، فصرنا نسمع عن رواتب ومكافآت تصرف لصحفيين من أجل الترويج لأفكار بعينها، أو الدفاع عن أشخاص بعينهم، فاختفت المعلومة الحقيقية في محاولة فجة لتضليل الرأي العام، وإلى جانب ذلك ظهرت مجموعة أخرى لا تبغي غير الحق والصدق بديلا، فنشرت الحقائق وسعت خلف المعلومة لاهثة خلفها، وكانت النتيجة أن هناك أكثر من 30 صحفيا محبوسين على ذمة قضايا نشر، و 15 صحفيا منهم صدرت ضدهم أحكام أو في انتظار صدورها، و 42 صحفيا مهددين بالحبس.
الصحفي كما ينبغي أن يكون
هذه أنواع الصحفيين كما يريدها أي نظام، ولكن في النهاية تظل مهمة الصحفي الأساسية هي التنوير والتثقيف والتعليق والتحليل إلى جانب نقل الخبر، ولذا ينبغي أن يتميز الصحفي بقدرته على الربط بين الأخبار والمقالات حتى يظل متصلا بالمجتمع الذي يعيش فيه، كما عليه أن يتميز بالبحث عما يهم القارئ حتى لا يسير “يكتب” الكاتب في وادٍ ويكون القارئ في وادٍ آخر، كما أن ذلك أهم سمة لمن ينشد النجاح في مهنة البحث عن المتاعب.
في النهاية لن تقوم مهنة الصحافة بدورها الحقيقي في ظل غياب قانون تداول المعلومات والتشريعات المنظمة لمهنة الصحافة والإعلام، لن تقوم بدورها في ظل انتهاك الحريات، لن تقوم الصحافة بدورها إذا لم تقدم الدولة ومؤسساتها المعلومة كاملة للصحفيين.