نص مذكرة " الصحفيين " للنائب العام : اقتحام النقابة نال من كرامتنا

أصدرت نقابة الصحفيين، بياناً عقب الاجتماع المطول لمجلس النقابة، برئاسة نقيب الصحفيين يحيى قلاش، مع الخبير القانوني المستشار كمال الإسلامبولي، لبحث الجوانب القانونية المتعلقة بأزمة الصحفيين مع وزارة الداخلية.

وقالت النقابة في بيانها إن الاجتماع خرج بمذكرة قانونية برأي نقابة الصحفيين، تضمنت سردًا للوقائع الخاصة بحصار النقابة واقتحامها، موضحة أن المجلس قرر تقديم المذكرة إلى الجهات المعنية لتوضيح وجهة نظر النقابة، وكذلك تقديمها إلى السيد المستشار النائب العام لكشف الملابسات الخاصة بما حدث.

وكان المجلس قد نوه إلى أنه قرر استمرار انعقاده، وعقد جلسة أخرى اليوم “الثلاثاء”، لمناقشة الجوانب المختلفة للأزمة، مؤكدا أن حل الأزمة يكون عبر الطريق الذي يضمن الحفاظ على هيبة النقابة وكرامة أعضاء الجمعية العمومية، مشددًا على أن تحقيق ذلك يتطلب أيضًا تماسك جموع الصحفيين ووحدتهم دفاعًا عن مهنتهم وكرامتهم.
ونص المذكرة كالآتي:

مذكرة حول الأزمة

الوقائع

1- بتاريخ 30/4/2016، علم نقيب الصحفيين بلجوء صحفي من أعضاء النقابة وآخر متدرب إلى مبنى النقابة، بعد علمهما بتفتيش منزليهما بحثاً عنهما بمقولة إنه صادر بحقهما أمرًا بضبطهما وإحضارهما.

2- وفقًا للسوابق والتقاليد النقابية المماثلة بادر نقيب الصحفيين بالاتصال بمحامي النقابة وبمحامي الزميلين، كما اتصل بالجهات الأمنية ذات الصلة للوقوف على حقيقة صدور أمر الضبط والإحضار من عدمه، لتنفيذه فور التيقن من صدوره بأن يتم تسليم المطلوبين إلى النيابة العامة بناء على رغبتهما، كي يتفاديا إجراءات شرطية قد تنال من كرامتهما.

3- بتاريخ 1/5/2016، وبعد أقل من 24 ساعة من تواجد الصحفيين بمبنى النقابة، فوجئت النقابة باقتحام قوات الأمن لمبنى النقابة واقتياد الزميلين إلى خارج المبنى بدون تنسيق ولا إبلاغ رغم وجود اتصالات جارية بين النقيب مع المسئولين بوزارة الداخلية، وفي واقعة هي غير مسبوقة في تاريخ النقابة عبر 75 سنة من تاريخها، الأمر الذي أثار حفيظة الصحفيين ونال من كرامتهم بما فيه من تعدي على مقر نقابتهم بالمخالفة للقانون.

4- بعد واقعة الاقتحام انتشرت قوات الأمن لتحاصر مقر النقابة، مما جعل الأزمة تتجه نحو التصعيد لاستثارة جموع الصحفيين، وهو ما لم تكن تأمله النقابة ولا الصحفيين.

5- استجلب الأمن حشودًا يستعين بهم فى مثل هذه المناسبات، من أرباب السوابق والمسجلين خطر، لإيهام الرأي العام أنهم “مواطنون شرفاء”يستنكرون موقف النقابة، فاعتدوا على الصحفيين بدنيًا وقوليًا وبإشارات بذيئة وفاضحة، وبإلقاء الحجارة على مبنى النقابة، وجرت كل هذه الأعمال المخالفة للقانون والمنافية للآداب العامة تحت سمع وبصر قوات الشرطة وفي ظل حراستها، والغريب أن قوات الشرطة التي حاصرت النقابة غضت الطرف عن القبض على هؤلاء في أقل القليل بتهمة التظاهر بدون تصريح ، ويشهد على ذلك ما سجلته الكاميرات من شرائط وصور وأفلام أذاعت بعضها وسائل الإعلام، ولعل ما حدث للصحفي خالد داوود وهو مسجل بالصوت والصورة يقدم واحدة من النماذج لما كانت تقوم به تلك الكتائب من البلطجية وأرباب السوابق حول نقابة الرأي، نقابة الصحفيين.

6- تقدمت النقابة ببلاغ إلى النائب العام تتضرر فيهما أسلفناه، بتاريخ 1/5/2016، وقُيد تحت رقم (6380) لسنة 2016 عرائض النائب العام وذلك بتاريخ 4/5/2016.

الحقائق:

1- إن نقابة الصحفيين وهي تدافع عن نفسها وعن كرامة المنتسبين إليها وعن تاريخها الطويل لم تكن لتتخذ أي إجراء يخالف القانون، بل كانت في حالة دفاع عن القانون، و لم تكن يومًا حائط صد في مواجهة تنفيذ القانون ولن تكون.

2- إن النقابة لم ولن تكون يومًا ضد أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، بما في ذلك مؤسسة الأمن، إيمانا من النقابة بأهمية دور الأمن، وأنه لا حياة لمجتمع بدون أمن. وإن موقفها في الأزمة التي لم تبتدعها ولا سعت إليها، إنما هو في حقيقته موقف المدافع عن كرامتها التي انتهكت بمجاوزة القانون، حال تسمية من تجاوزه أنه ينفذ القانون.

3- إن التوصيف الصحيح لما جرى على حقيقته أن موقف النقابة خلال هذه الأزمة هو دفاع عن قوة القانون في مواجهة اقتحامٍ لمقرها بقانون القوة.

4- إن القانون يعلو ولا يعلى عليه، وهو مظلة فوق رؤوس الجميع.

والتساؤل الذى يطرح نفسه…
هل دخول قوات الأمن مبنى النقابة عنوة، حتى ولو كان لغرض تنفيذ أمر ضبط وإحضار، يوافق القانون.. أم يخالفه؟

الاجابة هي: إن ما تم جاء كله بالمخالفة للقانون.

وسند ذلك…

ـ من حيث أن الأصل العام هو أن سلطة القبض والتفتيش سلطة أصيلة بيد النيابة العامة. وقد أباح القانون للنيابة أن تندب -أي تصدر إذنًا- لأحد مأموري الضبط القضائي المختصين لإجراء قبض أو تفتيش تخفيفًا من المشرع عنها لتتفرع لمهمتها في إجراء التحقيق القضائي.

– إن المشرع في كثير من التشريعات لعلة قدرها، سحب من النيابة العامة حق أن تندب غيرها فى إجراء معين بشأن أشخاص أو أماكن معينة، وألزمها أن تأتي هذه الإجراءات بواسطة أحد أعضائها كأصلاء في الإجراء صونًا لأسرار هذه الأماكن.

– مثال ذلك… ما استلزمه المشرع حين تفتيش مقار النقابات أو الأحزاب أو مكاتب المحامين، حيث استلزم أن يجري التفتيش بمعرفه النيابة.

– بل إن المشرع في حين يسحب حق النيابة في إصدار إذن بتفتيش أشخاص لعلة قدرها المشرع في عملهم، مثل القضاة وأعضاء النيابة، لا يملك النائب العام الإذن بتفتيشهم أو تفتيش مساكنهم إلا بعد صدور إذن من مجلس القضاء الأعلى، والذي ينفذه يكون عضو نيابة بدرجة تلائم المأذون بتفتيشه، ويُحددها الإذن بقوله مثلاً (… على أن يقوم بتنفيذه محامي عام على الأقل) وذلك لحماية استقلال القضاة.

– بل أن المشرع في حين آخر يُبطل رغبة النيابة في إصدار إذن لحين أن يأذن للنيابة في ذلك.

مثالُها… أعضاء مجلس النواب الذين لا تستطيع النيابة أن تأذن بقبض أو تفتيش بشأنهم إلا بعد صدور إذن لها من المجلس، صوناً لرسالة النائب، وتوفيراً لقدر من الأمان له وهو يباشر رسالته ذات الاحتكاك الرقابي، وتجعله عرضه للعصف به دون مقتضى. والذي يقدر المقتضى الموجب لصدور الإذن هنا هو مجلس النواب.

– بل إن المشرع في حين آخر يستلزم لكي تتمكن النيابة من تحريك الدعوى الجنائية أن تستصدر إذناً بذلك من الوزير المختص… (مثال ذلك قضايا الجمارك).

وفيما يخص نقابة الصحفيين، هناك نص المادة ( 70 ) من القانون 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين، استلزم حين يتم تفتيش مقار نقابة الصحفيين ونقابتها الفرعية أو وضع الأختام عليها، أن يتم ذلك بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة، وبحضور نقيب الصحفيين أو من ينوب عنه إن كان التفتيش يستهدف مقر النقابة العامة، وإن كان يستهدف الفرعية فيكون بحضور نقيب الفرعية أو من ينوب عنه.

– والغاية من ذلك أن المشرع رأى هنا أن أهمية المكان وما يحويه من أسرار تستوجب أن يقوم الأصيل بنفسه (النيابة العامة) بإجراء التفتيش، ولا يجوز أن يتم بواسطة منتدب لذلك لمأمور الضبط القضائي (رجال الشرطة).

– ولا يرد على ذلك بأننا لسنا في مجال تفتيش، أو إذن به صدر من النيابة للشرطة، فيُعاب عليه بأن المتوجب أن يتم بمعرفة عضو نيابة، وإنما المقام هو مقام تنفيذ لأمر ضبط وإحضار، وأن أوامر القبض تتضمن بطبيعتها لمقوم ذاتي فيها، وهو وجه التفتيش، مما لا يستلزم أن يتم بمعرفة عضو النيابة.

– وهذا الرد، مردود عليه، بأن كل أوامر القبض تتضمن ذاتيًا وجه التفتيش الذي لا يحتاج لإذن بالتفتيش، فمتى كنا في مقام قبض اتسع الإجراء للتفتيش دون إذن به، وهذه بديهيات قانونية.
كما أن البحث ليس في صدور إذن بالتفتيش من عدمه،كي يرد بأن ما تم من الشرطة كان صحيحًا، وإنما البحث هو في القائم بالتفتيش… هل تقوم به النيابة كما اشترط القانون، أم بغيرها؟.. وهل غيرها يجوز له ذلك أم لا؟

– وهناك من يرى صحة الاجراء الذي قامت به قوات الشرطة التي اقتحمت النقابة لتنفيذ أمر ضبط وإحضار المطلوبين، وأنه لا يشترط أن يتم ذلك بمعرفة النيابة، وهؤلاء يخلطون بين الحديث عن صدور إذن بالتفتيش من النيابة، يراه متوافرًا ذاتيًا في أمر الضبط والإحضار، وبين صفة القائم بالتفتيش.

– وعلى جانب النقابة فإنها رأت -وهو رأي كل منصف قانوني- أن ما تم من اجراء كان يلزم لصحته أن يتم بمعرفة عضو نيابة، وهو رأي ينطلق من النظر إلى صفة القائم بالتفتيش حيث لم تكن موجودة وقت التفتيش (عضو النيابة).

– إذًا ما هو مطروح بحثه ومحصور في نقطة وحيدة دون سواها، هو التفرقة بين استلزام إذن بالتفتيش مغني عنه بأمر الضبط والإحضار الذي يخوله دون إذن مخصوص بذلك، إذ مجرد صدور أمر بضبط وإحضار، يحمل في طياته وجه التفتيش، وبين استلزام أن يتم التفتيش بمعرفة النيابة العامة.

– إذًا يجب التفرقة بين التفتيش وبين القائم به، وما تتساند إليه النقابة هو أن المتعين أن يقوم به وهو عضو النيابة لم يقم به كالنص المشار إليه، وبين ما يتساند إليه غيرها بأن حالة التفتيش متوافرة بمجرد صدور ضبط وإحضار.

– النقابة تتساند إلى غياب صفة القائم بالتفتيش، وغيرها يتساند إلى توافر وعاء التفتيش.

– النقابة لا تنازع فى أن حالة التفتيش قائمة قانونًا، وإنما تُنازع في أن المعين أن يقوم بها وهي النيابة كنص القانون، لم يقم به.

– النقابة تؤكد أن أمر الضبط والإحضار بما يحمله من تفتيش يلزم أن يقوم به عضو النيابة، وليس استثناءً على النص بل تأكيدًا لإعماله.

– وبما أن مبنى النقابة مكون من ثمانية أدوار، فإن تلك المساحة تستتبع حتمًا حين تنفيذ أمر بضبط وإحضار أن يتم البحث في أدوار وغرف وأروقة النقابة، وهو التفتيش بعينه.

– وإذا كان التفتيش هو البحث فى مستودع السر، وإذا كان القانون اشترط في حالة النقابة أن يتم بمعرفة عضو نيابة، وإذا كان تنفيذ أمر الضبط والإحضار مفاده بحث وتفتيش، فإن ما لم يتم بدون عضو نيابة يكون مخالفًا للقانون، مهدرًا لكرامة النقابة وكرامة أعضائها.

– إن صدور بيان النيابة الذي تضمن أن التحقيقات لم تكتمل… جاء معبرًا عن اتجاه ورأي، حين قال بأن المبنى غير مستثنى من التفتيش، فيه استباق بإفصاح عن رأي لا يكون لها أبدًا إلا بعد اكتمال التحقيق، الذي أكدت النيابة وهي تفصح عن رأيها أنه لم يكتمل.

– صدور بيان النيابة يصف ما تم بأنه صحيح هو قول يجافي صحيح القانون، وجاء قاصرًا على مناقشة أسانيد النقابة التي تستقي من الفهم الصحيح للقانون. ورأي النيابة الاستباقي وهي في مرحلة التحقيق–الذي لم يكتمل– نقلها من مرحلة التحقيق المحايد إلى مرحلة الاتهام قبل الأوان، لعدم اكتمال التحقيق بقولها به في البيان، فأخرجها ذلك من موقف الحيدة إلى موقع الخصومة.
وهو لا يعدو سوى رأي خصم، الفيصل فيه وفي صحة ما قالت به للقضاء.

إن نقابة الصحفيين وقد عرضت للأمر، وللوقائع والحقائق الغائبة، فإنها بضميرها الوطني تُرحب بكل ما من شأنه أن يلتقى الأطراف على ملتقى واحد، وهو المصلحة الوطنية المصرية، إيمانًا منها بأن الوطن يحتاج إلى جهود أبنائه للدفع في اتجاه غير الشقاق المعرقل، الذي وُضعت فيه على غير رغبة من ضميرها ووجدانها. ولولا تصعيد للأزمة لم تسع إليه ولم تساهم فيه، ما وصل الأمر إلى ما وصل إليه.

وإنه على قاعدة الخطأ لصاحبه وليس لغيره، وعلى قاعدة حفظ كرامة الصحافة والصحفيين، وطمأنة باتت مفقودة لدى باقي النقابات أن يحدث لديها ما حدث لنقابة الصحفيين، وعلى قاعدة الحفاظ على وجه وصورة مصر خارجيًا، وعلى قاعدة إنهاء الأزمة بكل أسبابها وتوابعها وما تفرع عنها، فإن النقابة تُرحب، بل وتُسهم في كل جهدٍ جاد في إنهائها.