محمد صلاح البدري يكتب: من يشعل النار؟!

لم أحب مادة أدبية مثلما أحببت التاريخ.. أعتقد أنها المادة الوحيدة التي كانت ستصبح السبب لألتحق بالقسم الأدبي.. فقط كان سؤالاً واحداً لم أتمكن من إجابته ..بل وأفقدني كل حماس كنت أحمله للقسم الأدبي بالكامل.. متى حدث حريق القاهرة؟!

إنه الحدث الذي كنت أنسى تاريخه في كل إختبار .. والذي كان يواجهني – لحظي الذي أعرفه جيداً- في كل إختبار أيضاً.. لسبب ما كنت أصر على أنه قد حدث عام ١٩٥٠ بدلا من ١٩٥٢.. المشكلة أنني أعاني حتى الآن لدرجة أنني احتجت أن أراجع الصديق “جوجل” قبل أن أخرط في كتابة هذا المقال!

أعتقد أنني لن أكون مبالغاً إذا ما وصفت ما يحدث منذ عدة أيام بأنه حريق القاهرة الجديد..! ولم لا وقد لا تمر عدة ساعات إلا ونسمع عن حريق جديد في مكان ما في مصر..يبدو أن الشرطة تؤدي عملها بجدية بالفعل، أو أن البعض قد قرر صرف “أوفر تايم” لإدارة المطافي.. ولكنه قرر أن يحصلوا عليها عن جدارة واستحقاق!

العامل المشترك في كل تلك الحرائق أنها تحدث في أنشطة تجارية أو صناعية صغيرة..فلم نسمع عن احتراق مشروع يمتلكه أحد هؤلاء السادة.. الإختلاف فقط هو التوقيت .. وربما أصابع الإتهام التي لا تهدأ كل ساعة في كل الوسائل الإعلامية!

المتهم الأول في نظر الإعلام الحكومي ومواليه محدد ومعروف دون جدال بالطبع.. إنهم الإخوان دون شك .. إنها التهمة التي “يلبسها” كل من يختلف معهم في الرأي منذ عامين أو يزيد..فالخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.. الا في مصر.. إنه يفسدها تماماً .. بل و يجعلك معرضاً لتهمة أنك “اخوان” بالطبع!

إنهم من أخفوا الدولار ليرتفع سعره .. ومن اختلقوا الأزمة بين النقابات المهنية كلها تقريباً و بين الحكومة.. وهم أيضاً السبب الرئيسي في خروجنا من تصفيات كأس العالم الماضية على يد غانا..وربما في هزائم الزمالك كلها وتمرد باسم مرسي!

إنهم الاخوان.. تلك الجماعة التي قرر البعض أنهم التبرير المريح لكل فشل تحققه الحكومة والنظام طوال الفترة الماضية.. والتي قررت هي أيضاً بذكاء غير مسبوق تاريخياً أن تدفع الفاتورة كاملة!

وعلى الرغم من إختلافي الشديد عن ذلك الرأي -الذي يثبت لي يوماً بعد يوم أن أصحابه يعانون من إعاقة فكرية شديدة.. أو أنهم يحترفون التدليس لسبب لا أعرفه- إلا أنني قد أتفق معهم هذه المرة في أمر واحد.. أن تلك الجماعة الضالة المضلة سعيدة بما يحدث بالفعل.. إنهم يتمنون الخراب للبلاد طالما فقدوا السلطة.. فإما هم أو الدمار للجميع.. فقط أعرف جيداً أنهم لم يعودوا يمتلكون القدرة التنظيمية لكل تلك الأفعال.. خاصة أن التخريب و الحرائق متزامنة بشكل يجعلها أقرب لخطة منظمة جيداً.. و لا أعتقد أنهم بهذه القوة حتى الآن.. وإلا فلم يبقون على أيقونتهم و شعلة ذكائهم المتقدة “مرسي” داخل السجن حتى الآن؟!

والمتهم الآخر في نظر المعارضين للنظام هو النظام نفسه.. و هنا تظهر نظرية المؤامرة مرة أخرى لتلقي ظلالها بقوة على “حريق الرويعي” تحديداً.. و الذي تزامن مع تصريحات لمحافظ القاهرة بإخلاء المنطقة من الباعة الجائلين و أصحاب المحال الصغيرة الذين يحتلون الشارع حرفياً!

والواقع أن المتأمل في الأمر قد يجده منطقياً بعض الشيء.. فالبعض لا يملك الشرف الكافي لينظر للمشهد نظرة إنسانية .. أو يشفق على الفقراء الذين سيفقدون مصدر رزقهم.. إعتراضي الوحيد هذه المرة أننا لا نملك نظاماً بهذا الخبث أو الذكاء ليفعلها.. فنظاماً يقع في كل تلك الأخطاء في قضية مقتل ذلك الإيطالي أو ترسيم الحدود أو حتى في القبض على صحفي من داخل نقابته لا يستطيع أن يخطط بكل هذه الحنكة ليخلي منطقة من باعتها الجائلين..!

الطريف أن الجميع يلقون بالاتهامات على البعض.. الذي لا يتردد في رد التهمة إلى الجميع.. ليبقى السؤال حائراً.. من الذي يشعل كل تلك الحرائق؟!.. من الذي يشعل مصر؟!

صديق مثقف وصحفي مخضرم يؤكد لي أن الأمر يتم بفعل فاعل.. و لكنه يبتسم ساخراً قبل أن يستطرد أننا لن نعرفه أبداً.. “لما نبقى نعرف مين اللي حرق القاهرة سنة ٥٢ نبقى نعرف دلوقت”!

أعتقد أنه محق ..فلا أظن أننا سنعرف الجاني قريباً.. أو حتى سنصل الى دليل واحد ضد أي فئة أو فصيل.. سيظل الأمر في التاريخ معلقاً.. حتى ينساه طالب آخر في إختبار التاريخ بعد أعوام طويلة.. كي لا أصبح الوحيد ..الذي ينساه دوماً!!