( 1 )
عمرو دياب دائمًا ما ينجح ولكن تبقى هناك محطات مهمة ، ففى ( ميال ) كانت القفزة المدوية الأولى ولحظة الصعود الى القمة ، ثم جاءت بداية التسعينات كمرحلة لتثبيت الأقدام بأغنيات مثل متخافيش وحبيبى ويا عمرنا .. نجاحات متتالية فى أيام يعتبرها البعض الآن هى أشد لحظات توهجه وكأنه يضع الأساس الصلب الذى سيبنى فوقه أسطورة الهضبة التى ستعيش طويلاً .. كانت لحظة الذروة فى مسيرة دياب عام 96 بألبوم ( نور العين ) .. نجاح ساحق ومدوى .. مبيعات خرافية وغير مسبوقة .. وصول للعالمية وميوزك أوورد أولى .. كل ما يحلم به وأكثر قد تحقق .. ومثلما كان عمرو ما بعد ميال غير ما قبله كان نور العين مرحلة التحول الثانية فى مسيرته الفنية ، فعمرو بعد نور العين ليس كما كان قبله على الإطلاق ، أدرك دياب بذكائه أنه عندما تصل إلى ذروة النجاح فمن المستحيل أن تكون الخطوة التالية إلى الأمام ، مؤكد ستكون إلى الخلف ولو قليلًا .. لذلك كانت المرة الأولى فى مسيرته التى يمر عليه عام بدون إصدار ألبوم جديد وهو عام 97 .. أدرك حاجته إلى مزيد من الوقت ليستوعب كل هذا النجاح وللتفكير بتمهل فى الخطوة التالية ، احتاج وقتها إلى مايشبه بداية جديدة ومايثبت به أنه مازال لديه الكثير ليقدمه ، فكان ألبوم ( عودونى ) عام 98 .. لم يحقق بالطبع نفس نجاح نور العين وهو أمر متوقع كما قلنا ولكنه كان عملاً مناسبًا تمامًا لمرحلته ولم يفشل مثلما انتظر الكثيرون وقتها .. بعدها بعام أصدر ألبوم ( قمرين ) الذى مهد فيه لفكرة تجديد دمائه الموسيقية وقدم تجارب جديدة نوعًا ما .. ثم جاء عام 2000 وقدم أفضل أعماله على الإطلاق وهو ألبوم ( تملى معاك ) .. هنا لم تكن قفزة مدوية أو لحظة توهج أو وصول الى ذروة نجاح بل كان تحليقًا .. فى تملى معاك كان عمرو دياب يحلق فى أفق جديد ويخلق عالمًا موسيقيًا جديدًا ، يفتح الباب الذى سيدخل منه الكثيرون خلفه وسيسقط أكثر منهم على عتباته ليبقوا أسرى لمرحلة التسعينات ويدورون فى فلكها حتى هذه اللحظة .. ولكن لماذا تملى معاك تحديدًا ؟
( 2 )
وكأن عمرو دياب بتاع التسعينات تحول إلى مطرب آخر بدأ من تملى معاك ومع بداية الألفية .. كل شىء كان جديدًا ومختلفًا ، شكل ونوعية الموسيقى ، بداية مرحلة طارق مدكور فى التوزيع الموسيقى ونهاية أسطورة حميد الشاعرى ، فريق العمل من شعراء وملحنين قدم العديد من الأسماء الجديدة أغلبهم النهاردة بقوا من أهم النجوم على الساحة .. حتى على مستوى ( النيولوك ) والموضة اللى كان جمهوره دايمًا بيستنى الجديد فيهم من عمرو نفس انتظاره لاغانيه ، ولكنه هذه المرة تحديدًا ( بالسكسوكة ) الخفيفة والطقم الأبيض خلق لديهم حالة نادرة من الانبهار زادت أكتر مع عرض كليب تملى معاك وظهوره بالبلوفر اللى مصر كلها تقريبًا لبسته – كنت من الأقلية اللى ماشتروش البلوفر – وحقق مبيعات يمكن تفوقت على مبيعات الألبوم نفسه اللى أذكر جيدًا ان أغانيه نجحت جدًا مع الناس وكانت مسمعة فى الشارع بشكل غير عادى .. كان هذا الألبوم نقلة تاريخية لشكل الأغنية فى مصر ونقطة فاصلة ما بين زمن وآخر وأعتقد عندما يؤرخون فى المستقبل لتاريخ الموسيقى فى مصر ستكون وقتها هذه الحقيقة أكثر وضوحًا ..
( 3 )
الفارق بين عمرو دياب وأى مطرب آخر أن عمرو لم يكن فقط ينجح بل كان بيستمتع بنجاحه وهو ما صنع أسطورته .. كل هذا الشغف لدى جمهور عمرو بأى جديد يقدمه هو مجرد انعكاس لشغف عمرو نفسه بالغنا وبالمزيكا .. لا يوجد شىء يحدث من الفراغ او بضربة حظ ويستمر بهذا الشكل .. سر تميز عمرو دياب ليس فقط فى موهبته وذكائه واجتهاده الدائم بل فى نجاحه فى الحفاظ على نفس شغف البدايات .. بقاؤه على القمة طويلًا يعود لإحساسه الدائم بأنه لم يصل إليها بعد .. فى مشواره هناك استثناء حدث مرة واحداة بغنائه أغنية مطرب آخر وهى أغنية ( مهما كبرت ) لحميد الشاعرى ويبدو أنها مسته بشدة لدرجة أن يحرص على غنائها وهو من عود الجمهور على تقديم كل ما هو جديد ولكنه هذه المرة كان يغنى لنفسه .. أشعر وكأن عمرو دياب يستيقظ كل يوم ليقول لنفسه ( انا مهما كبرت صغير .. انا مهما عليت مش فوق ) كلام يبدو ظاهريًا مقصودًا منه التواضع والتقليل من الذات ولكن بمعنى أعمق ، فعمرو بيفكر نفسه ان النجاح مالوش نهاية وان مهما كان طعم النجاح حلو دايمًا فيه ال ( أحلى وأحلى ) .. هكذا استطاع أن يستمر بنفس شغف البدايات ..
( 4 )
يقول البعض : عمرو دياب بيكرر نفسه فى ألبوماته الأخيرة ومبقاش عنده أى جديد يقدمه .. وهو كلام يجعلك تتساءل ولماذا لم يفعلها غيره ؟ كل هؤلاء الذين اختفوا من على الساحة او كادوا لماذا لم يكرروا أنفسهم ويحافظوا على بقائهم مادام الأمر بهذه البساطة ؟ الحقيقة أنهم كرروا أنفسهم بالفعل ولذلك اختفوا بينما عمرو كان حريصًا دائمًا على تقديم الجديد ولو فى نفس الإطار المعتاد لشكل أغانيه .. فإذا كنت لاعب كرة قدم فليس الجديد أن تتحول الى لاعب كرة يد ولكن أن تطور من مستواك فى نفس لعبتك .. كثيرون نافسوا عمرو دياب وبعضهم تفوق عليه مرحليًا ولكنهم اختفوا على المدى البعيد او خفت بريقهم وبقى هو ينافس نفسه ولا يكررها بل يكرر نجاحاته مرةً تلو الأخرى ..
( 5 )
أغانى عمرو دياب القديمة ليست أجمل من أغانيه الجديدة ولكنها حالة ( النوستالجيا ) المزمنة التى نعانى منها وتجعلنا نتصور أن كل حاجة زمان كانت أحلى .. وربما يحمل هذا الكلام شيئًا من الصحة ، لكن التغير الحقيقى حدث لجمهور عمرو وليس لعمرو نفسه .. دايمًا بنقول ان عمرو دياب كبر وناسيين ان احنا كمان كبرنا ، كبرنا ومبقاش عندنا نفس الشغف القديم اللى كان بيخيلنا نقف قدام محلات الكاسيت بالساعات مستنيين الألبوم الجديد بتاعه .. دلوقتى ممكن نحمله من على النت بعد يوم او يومين من نزوله .. كبر دياب بالفعل ولكن مازالت أغانيه تحمل نفس روح ( الأغنية الشبابية ) والدليل أنه استطاع خلق جمهور جديد له من الأجيال الحالية .. مواليد التسعينات الذين لم يعاصروا بداياته كثيرون منهم يشكلون جمهور دياب الحالى بينما جمهوره القديم مازال بعضهم على العهد والبعض الآخر بيتابع من بعيد لبعيد يطمئن على مسيرته ويفرح لنجاحه والبعض مازال مصرًا على أن عمرو دياب كبر واتغير ومبقاش زى زمان وغير مدركين ان هما اللى كبروا واتغيروا ومبقوش زى زمان ..
( 6 )
فى ظهوره الأول على الشاشة فى ليلة رأس السنة عام 83 غنى أغنية ( الزمن ) وفى نفس العام حمل أول ألبوماته إسم ( يا طريق يا طريق ) .. الطريق والزمن كلمتين ممكن يلخصوا كل مشوار عمرو دياب وطريقه فى عالم المزيكا على مدار 33 سنة ولعبته مع الزمن اللى أدرك حقيقتها منذ لحظة ظهوره الأولى ( الزمن دموع بتجرى او ضحكة مالهاش اى معنى او لعبة مالناش يد فيها مهما اتشائمنا واتفائلنا ) ويمكن ده من ضمن أسرار بقائه واستمراره انه دايما كان فاهم ومستوعب وفاكر كويس ان ( الزمن بينسى دايما مع الزمن مفيش وعود )
( 7 )
يكبر الإنسان ويختلف تفكيره ويتبدل إحساسه وتتغير نظرته إلى الأشياء ، ينظر إلى الماضى ويندم على أشياء فعلها ويتحسر أكثر على ما لم يفعله ، لايوجد من لم يتمنى أن يعود به الزمن ليصحح أخطائه ويعدل من مساره فى الحياة ولكنها تبقى دائمًا أمنية مستحيلة ، ومن يدرى ربما لو عدنا لكررنا نفس الأخطاء ، ولكن ما أثق به الآن أنه لو عادت بى الأيام لكنت أول واحد يشترى بلوفر عمرو دياب !