نقلا عن مجلة “7 أيام”
مشكلة كبيرة تحدث عندما يضع القانون من لا دراية له بالمجال الذي ينظمه هذا القانون، وهو ما ينطبق على المادة 42 من قانون الصحافة والإعلام الموحد المنتظر إقراره من مجلس النواب خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
بالنسبة للصحفيين العاملين في نطاق الجرائد والمجلات المطبوعة، كان الترحيب بالقانون كبيرا رغم بعض “الهنات”، وبالنسبة للعاملين في الصحف الإلكترونية المستقلة -أي غير التابعة لمؤسسة صحفية تُصدر جريدة مطبوعة- جاء القانون “مخيبا للآمال”، رغم أن الكل في هذا المجال يحتاج القانون بشدة من أجل تنظيم السوق الذي يشهد كمّا من العشوائية وقدرا من الفوضى، يفسد المهنة برمتها ويفسد الرأي العام.
التنظيم مطلوب، أي أن تكون كل المواقع مسجلة لدى الدولة، لها ممثل قانوني، يقودها صحفيون محترفون، حتى لو لم يكونوا مسجلين حاليا في النقابة، يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، أما استغلال الفسحة التقنية التي تسمح بإطلاق موقع في أيام محدودة وتغذيته بالمادة من أي مكان وبدون مصادر معلنة فهو أمر يجب أن ينتهي بكل تأكيد، ليس فقط بسبب المواقع التي يتم استغلالها للترويج للشائعات والأكاذيب والأخبار الصفراء، وإنما لحماية الملكية الفكرية للمواقع المحترفة، التي تتعرض لسرقة المحتوى يوميا، ولا تجد جهة تشكو لها وظهرا تلجأ إليه.
هل اهتم القانون الجديد بما سبق؟، لن نعرف إلا بعد صدور اللائحة التنفيذية التي تفسر مواد القانون، لكن يبدو أن ما اهتم به المشرع هو تنظيم عملية إصدار الصحف فقط بكل أشكالها، ووضع الضمانات المالية التي تبعد المغامرين عن هذا المجال، ولكن، وهو يفعل ذلك، ظلم المواقع الإلكترونية وتعامل معها وكأنها صحف مطبوعة، رغم أن زمن المطبوع يكاد يولي، والمستقبل للإلكترونية التي لم يدرس المشرع عشرات الطرق الممكن اللجوء لها للالتفات حول “العُقدة” التي وضعتها المادة 42.
تقول المادة 42 من قانون الصحافة والإعلام الموحد، أنه على مؤسس الصحيفة الإلكترونية -سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا- إيداع مبلغ نصف مليون جنيه في البنك لضمان جدية المشروع وحماية حقوق العاملين بالموقع الصحفي الجديد، دون أن يوضح هل سيكون من حق تلك المواقع المسجلة رسميا إدخال صحفييها لنقابة الصحفيين القائمة حاليا، أم سيسمح بتحويل نقابة الصحفيين الإلكترونيين من نقابة عمالية إلى نقابة مهنية تقف على نفس مستوى النقابة الأم؟.
يقول صحفي ونقابي كبير إن مبلغ النصف مليون جنيه ليس بكثير على من يريد أن يصدر جريدة إلكترونية محترفة تضم 50 محررا، حدد الرقم ليؤكد أن الحد الأدنى من الرواتب يعني صرف نصف مليون جنيه في 10 أشهر، ماشي يا أستاذنا، لكنك تتكلم على جريدة إلكترونية إخبارية شاملة، مثل “اليوم السابع” و”مصراوي” وغيرهما من المواقع الكبيرة، ماذا عن موقع لنشر مقالات الرأي مثلا؟ طيب لو أنه موقع لنشر أخبار جامعة القاهرة، لو أنه موقع عن أخبار مدينة العين السخنة، موقع للأخبار والموضوعات الفنية، موقع لنشر وصفات الطبخ ونصائح أشهر الشيفات لكنه بالتأكيد سيهتم بنشر أخبار وزارة التموين وأسعار السلع، كيف سيصنف في هذه الحالة؟، كيف يتساوي موقع صغير يعمل في نطاق محدود سواء من ناحية الجغرافيا أو التخصص؟، وقد لا يحتاج إلا شقة إيجارها 1000 جنيه، ووصلة إنترنت وبعض الدولارات لحجز الدومين والسيرفر، كيف تتساوى هذه الحالة مع موقع كبير يموله رجال أعمال يريدون استغلال مضمونه سياسيا وإقتصاديا؟.
إذن المادة 42 تحتاج إلى تفصيل أكثر في اللائحة التنفيذية، إلى التفرقة بين أنواع المواقع وتخصصاتهم والميزانية التي تحتاجها، المهم بالنسبة للدولة أن تكون كل المواقع مسجلة قانونا ولها رأس مال بالطبع لكن بما يوازي حجم النشاط، وبما يحفظ حقوق العاملين الذين يتم التعاقد معهم.
إن السير في طريق إقرار المادة كما هي، وعدم تلافي الثغرات في اللائحة التنفيذية، يعني إجبار العاملين في المواقع الإلكترونية لطرق أخرى من أجل الإستمرار في الصدور، ويعني أيضا أننا سنقرأ أخبارا من نوعية “القبض على 4 صحفيين بتهمة تدشين موقع فني بدون ترخيص”، حتى لو كان هذا الموقع مهتما بأخبار السينما العالمية وفن الأوبرا، كذلك سنسمع عن موقع مصري أخباره كلها من مصر، لكنه ينطلق من دولة أخرى حتى يهرب من شرط النصف مليون جنيه.
على من سيكتبون اللائحة التنفيذية لقانون الصحافة والإعلام الموحد الانتباه إلى أن تطور النشر الإلكتروني يحتاج إلى قانون فعال ومتفهم لطبيعة هذا التطور، وأن أي مواد تتعامل مع الإلكتروني وكأنه صحيفة تذهب للمطبعة ثم للموزع ومنه إلى بائع الصحف لن تنظم المهنة، بل ستزيد من العشوائية، وتعزز الفوضى، وتزرع مساحة جديدة من أشجار الإحباط في نفوس شباب محب لهذه المهنة، مُلم بأدواتها الجديدة، عكس من كتبوا “المادة 42”.