خالد البرماوي يكتب: من يفض الاشتباك؟!

نقلاً عن المصري اليوم

نهارالثلاثاء 24 مايو 2016، رئاسة الجمهورية،الاتحادية.

جلسة مباحثات رسمية بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، ووفد من البرلمان الفرنسي. علق الرئيس المصري على هذه الزيارة قائلًا: «إنها تعكس عمق العلاقات بين البلدين، وقدرتها على تجاوز مختلف التحديات، كما تمثل ردًاعلى أي محاولات تستهدف النيل من العلاقات المصرية الفرنسية، مؤكدًا حرص مصر على عدم المساس بتلك العلاقات أو الإضرار بها».

المشهد الثاني:

مساء الأحد 15 مايو 2016، مبنى ماسبيرو، كورنيش النيل.

حلقة من برنامج «أنا مصر» يذاع على في التليفزيون المصري الرسمي، تضمنت تقريرًاعن فيلم «اشتباك» ومخرجه محمد دياب، تضمن التقرير تخوينًا صريحًا للمخرج وتلميحًا بعمالته لجهات أجنبية، واتهامه بأنه من نشطاء السبوبة الممولين، وأن أفلامه دأبت على تشويه مصر.

وأكد التقرير أن «مهرجان كان» الذي تنظمه دولة فرنسا- الحليفة في المشهد الأول- قام بإشراك الفيلم والاحتفاء به كجزءٍ من مؤامرة على مصر، وسعيا للإساءة لصورتها أمام العالم.

خاصة «وأن المهرجان لا يحتفى باللي زينا إلا لأسباب» كما قالت مقدمة البرنامج وهي تمهد لتقريرها الأعجوبة.

*****

سؤال 1: هل هناك مؤامرة من فرنسا على مصر، ورئيس الدولة لا يعلمها؟

سؤال2: هل كان يعرف الرئيس وهو يعلق على زيارة البرلمان الفرنسي، أن التليفزيون الرسمي من الذين حاولوا النيل والضرر بهذه العلاقات عبر اتهام مهرجان فرنسي رسمي بأنه يدعم ويمول تشويه صورة مصر خارجيًا؟

سؤال3: هل التليفزيون المصري الرسمي شغال من دماغه، أم أن شخصًا ما أو جهة ما تحركه لإفساد العلاقة مع واحدة من الدول القليلة الصديقة لمصر؟

*****

«معاك الريموت غير القناة»، أطبق هذه القاعدة على كل القنوات الخاصة التي أشاهدها إذا لم يرق لي المحتوى الذي تقدمه، لكن عندما يتعلق الأمر بقناة الدولة الرسمية، التي يحصل العاملون فيها على رواتبهم- مع قلتها- من مخصصات يدفعها الشعب مباشرة من أمواله، هنا يكون لنا كلام آخر.

فإفساد العلاقات بين الدول، وإطلاق اتهامات التخوين والتكفيرعلى المواطنين الشرفاء ليست أبدًا مسائل هينة، ولا أمورا بسيطة تترك دون اعتذارٍوحسابٍ وعقاب.

ولا يمكن النظر للتقرير الذي أذاعه التليفزيون المصري عن فيلم اشتباك وأبطاله ومخرجه إلا بأنه فعل أحمق غير مهني، ملىء بالافتراءات والأكاذيب. ولا يمكن قبول تبرير من قاموا بهذا العتـَه على أساس أنه من قبيل وجهات النظر، ولا يمكن بلع هذا القيء الذي أخرجوه علينا باعتباره مجرد طرح أسئلة!

ولا منطق اولا وجاهةً لما يقال إنه برنامج خاص يذاع في قناة ملك للدولة، فالمسؤولية القانونية والمهنية والأخلاقية تعود على التليفزيون المصري في كل ما يذاع على شاشته، حتى لو كان الأمر في إطار إعلان تجاري صريح؛ وأي طالب فاشل في أولى إعلام يعرف هذه الحقيقة.

*****

هذا الهجوم المريض قام على فيلم مصري مثـَل وطنه بشرف في مهرجان عالمي، قالت وسائل الإعلام الكبرى عن مخرجه «إن أفلامه مع قلتها تصنع التاريخ حتى قبل عرضها».

وفي الوقت الذي وجد الفيلم وصناعه ومخرجه استقبالا حافلا في مهرجان كان، بل واختير الفيلم ليعرض في الافتتاح الرسمي لقسم «نظر ما»، وكان مرشحًا ضمن عشرة أفلام للجائزة الذهبية، في هذا الوقت، كانت هناك عقول مفسدة تجهز تقريرًا تحاول أن ترهب به الفيلم وصناعه، بحجه أنه يشوه مصر، وهي حجة يمكن بمقتضاها إعدام نصف أفلام السينما المصرية، وثلاثة أرباع روايات كبار أدبائنا.

ولأنه سبق لهذا المهرجان الاحتفاء بأفلام يوسف شاهين- رحمه الله- ويسرى نصري الله وغيرهم من الفنانين المصريين الِعظام، فنالهم من التخوين جانب أيضا من قبل صناع التقرير، لكي تسبك حبكة المؤامرة الممتدة من سنين.

ونسوا أن المهرجان تنظمه دولة فرنسا، وهي واحدة من الدول القليلةا لصديقة لمصرالآن، ورئيسها الزعيم الأوربي الوحيد الذي شارك في افتتاح قناة السويس، فكيف تدعمنا فرنسا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا باعتراف الدولة المصرية، ثم تتآمر علينا فنيا؟!

*****

المتتبع لنشاط محمد دياب سيجد أنه اعتزل الحياة العامة تمامًا من عامين وأكثر، قرفا أو غضبا أوربما لموقف ما، المهم أنه عاد وتفرغ تماما لعمله في الإخراج والكتابة، والحقيقة أنه لم يكن أبدًا متوغلاً في أي نشاط سياسي محترف في أي مرحلة من حياته، ولم يكن أبدا ناشطا سياسيًا كما ادعى التقريرعنه.

دياب فنان اهتم بالعمل الوطني في مرحلة من حياته، مثله مثل الملايين من الشباب المصري الذي شارك في ثور25 يناير.

إلا إذا اعتبرنا أن المشاركة في ثورة يناير خيانة، وأن الدستور المصري يشيد ويعترف بهذه الخيانة، وفي هذه الحالة سيكون التليفزيون المصري في خصومة مع الدستور الذي وافق98% من الشعب المصري عليه، وأيضا في خصومة مع الملايين من الشباب المصري الذين شاركوا في الثورة، وأغلبهم انخرط لاحقا في موجتها التصحيحية في 30 يونيو.

ولكن البعض في سراديب الدولة يتجاهل هذه الحقائق، ويريد أن يخلق عداوًة مجانية مع 25 يناير وكل من ينتمي لها، وللأسف هذا التفكير الأحمق هناك من يدفع له بقوة، وفي الحقيقة هم يمنحون جماعة الإخوان الطماعين هدية مجانية، ويدعمون بغشم ادعاءها بأنها هي من أشعلت شرارة ثورة يناير، وكلنا يعرف أن هذا كذب في كذب.

حالة الهجوم على محمد دياب، وكل من ارتبط اسمه بثورة يناير ليست جديدة، وهي حالة اشتباك الكل فيها خاسر، والخاسر الأكبر فيها ليس الشباب، وأهبل خلق الله من يظن أنه يمكن أن يذل إرادة شباب أي وطن.

وإذا كان لدي بعض الأقزام وسائل نفاذ يسممون بها عقول بعض الناس، فالزمن كفيل بأن يمحى هذه الأكاذيب ويبين الحق من الباطل، لأن المستقبل، وأي مستقبل، مرهون بالشباب.

وبعد عام أو اثنين أو عشرة أو حتى عشرين، سيكون هؤلاء الشباب الذين يهاجمونهم في صدارة المشهد، ووقتها، وربما وقتها فقط، سيتحقق لمصر ما حلم به شبابها وخرجوا مطالبين به ودفعوا ثمنه غاليا من دمائهم في 25 ينايرو30 يونيو.

نرشح لك:

خالد البرماوي يكتب: خرافات ديجيتال ميديا المصري أم الأجنبي

خالد البرماوي يكتب : صراع بقاء الصحف المطبوعة على قيد الحياة!