إسمحوا لي قبل أن نتكلم عن حلٍ لأزمة الصحفيين الإلكترونيين، التي تجمع بينهم وبين نقابة الصحفيين -للأسف- علاقة متوترة، أن أتكلم عن تجربتي الشخصية كصحفي إلكتروني، وهي قد لا تعنيكم كثيرا ولكنها قد تُلقى الضوء على جانب من واقع هذه الفئة من الصحفيين.
تبدأ الحكاية منذ تخرجي من شعبة الصحافة بقسم الإعلام بكلية آداب المنيا عام 2012 ، لتبدأ رحلة السعي للعمل، وكانت البداية عندما أرشدنى صديق للعائلة إلى صحفي يعمل مراسلا لإحدى الصحف الحزبية الشهيرة بالمنيا، لأعمل معه، وبالفعل ذهبت إلى هذا الصحفي واتفق معي أن أعمل معه في مقابل نشر التغطيات الإخبارية التي أقوم أنا بها تحت اسم هذا المراسل ووافقت على ذلك.
ورغم موافقتي على ذلك من أجل الانخراط في العمل الصحفي الواقعي، بعيدا عما تعلمناه في محاضرات قسم الإعلام، إلا أنني لم أكن أشعر بالسعادة لكون أعمالى الصحفية يتم نشرها باسم شخص غيري، ومع ذلك استمريت معه حتى انقطع الاتصال بيني وبين هذا المراسل بسبب انتقال مقر الحزب إلى مقر آخر.
بعدها عملت مراسلا في إحدى المواقع الإلكترونية المحلية المهتمة بتغطية أخبار المنيا منذ نوفمبر 2012 وحتى عام 2014، وعملت أيضا في نفس الفترة كمراسل لمحافظة المنيا لإحدى المواقع الإلكترونية نصف المشهورة منذ أكتوبر 2013 وحتى ديسمبر 2014، حيث قررت التوقف تماما عن العمل كمراسل صحفي لعدم وجود أي عائد مادي لعملي في الصحافة، ولانشغالي في محاولة غير مكتملة للانخراط في الدراسات الجامعية العليا، وفي ديسمبر عام 2015 قررت العودة لممارسة الصحافة ولكن من باب المقال.
لست وحدي في هذا المضمار، فهناك صحفيون كثيرون مثلي لم يكتبوا حرفا في جريدة ورقية، ومع ذلك تعتبرهم النقابة المبجلة دخلاء على الصحافة، رغم أننا نطبق نفس فنون التحرير الصحفي، مثلنا مثل زملائنا في الصحف الورقية، وعندما حاول الصحفيون الإلكترونيون تنظيم أنفسهم في نقابات تلم شتات هذه الفئة -وانضممت إلى إحدى تلك النقابات وكنت عضوا مؤسسا من ضمن من أسسوا فرع إحدى هذه النقابات في المنيا-، حاربت نقابة الصحفيين العتيدة نقابات الإعلام الإلكتروني الوليدة، وأرسلت خطابات إلى جميع الجهات الرسمية والشعبية بعدم الاعتراف بالصحفيين المنتسبين إلى هذه النقابات، وكأنه كتب على هؤلاء الشباب أن “يمسحوا و يكنسوا” بلاط صاحبة الجلالة دون أدنى أمل في أن تُلقي عليهم صاحبة الجلالة نظرة رحمة وعطف.
وجاء مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام ليزيد الطين بلة، عندما قصر ممارسة مهنة الصحافة على أعضاء نقابة الصحفيين، الأمر الذي يهدد بترك الآلاف من الصحفيين الإلكترونيين في مهب الريح وذلك لعدم وجود مظلة نقابية شرعية تحميهم.
الغريب أن كل هذا العنت والرفض الذي يتم إشهاره في وجه الصحفيين الإلكترونيين، يأتى في الوقت الذي تنكمش فيه صناعة الصحافة الورقية لصالح الصحافة الإلكترونية، وإيقاف عدد من الصحف البريطانية والأمريكية واللبنانية لطبعاتها الورقية، والاكتفاء بنسختها الإلكترونية.
ورغم كل ذلك، فقد تضامن الصحفيون الإلكترونيون مع زملائهم في نقابة الصحفيين، ضد اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحفيين، في مخالفة سافرة لنصوص القانون 76 لسنة 70، وأعلنوا وقوفهم إلى جانب مجلس نقابة الصحفيين ضد التدخلات السلطوية الفجة التي تهدف إلى الاعتداء على حرية الصحافة.
و حتى تخرج الجماعة الصحفية المصرية من تلك الأزمة، قوية وصلبة، فإني أطرح مبادرة قابلة للتعديل والتطوير، للم شمل الجماعة الصحفية، وإنهاء تقسيم الصحفيين إلى صحافة ورقية وصحافة إلكترونية تتكون من النقاط الآتية:
1- يتم تعديل نصوص القانون 76 لسنة 1970 الخاص بنقابة الصحفيين بما يضمن الاعتراف بالصحف الإلكترونية.
2- تتعهد نقابة الصحفيين بضم جميع أعضاء نقابات الإعلام الإلكتروني المستقلة الثلاثة إليها -نقابة الإعلاميين الإلكترونيين التي أسسها أبو بكر خلاف، والنقابة العامة للإعلام الإلكتروني التي أسسها ياسر طنطاوي، ونقابة الصحفيين الإلكترونيين التي أسسها صلاح عبد الصبور وأحمد أبو القاسم- إلى جداول المشتغلين، وفي المقابل تتعهد مجالس إدارات تلك النقابات المستقلة بحل تلك التشكيلات النقابية المستقلة، وذلك لإنهاء الانقسام غير المبرر للجماعة الصحفية.
3- تصدر نقابة الصحفيين قرارات بإنشاء نقابات فرعية في بقية المحافظات المصرية، تفعيلا لنص المادة 54 من القانون 76 لسنة 1970، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الصحفيين الإلكترونيين، والتي سيتم ضمها للنقابة، وحتى يسهل التواصل معهم وحل مشاكلهم دون تحميل النقابة الرئيسية أعباء كثيرة.
4- مخاطبة كليات وأقسام الإعلام بجميع جامعات مصر، بضرورة تحديث مناهجها الدراسية لكي تضم مقررات دراسية عن الصحافة الإلكترونية، باعتبارها مستقبل مهنة الصحافة.
المبادرة التي أطرحها هي الحل العملي والأقرب للواقعية، لأن أي محاولة لعمل كيان يجمع الصحفيين الإلكترونيين بمعزل عن نقابة الصحفيين، سيُحكم عليها بالفشل، وسيكون موقفها القانوني والدستوري ضعيفا، لأن المادة 77 من الدستور المصري تنص -وبكل وضوح- على أنه <لا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة>، مما يضع حقوق الصحفيين الإلكترونيين في مهب الريح، ما لم يتم ضمهم إلى نقابة الصحفيين.
لا أزعم أنني أوتيت الكمال في تلك المبادرة، وإنما هو مجرد تفكير بصوت عال لإنهاء تلك الأزمة، والأمر في النهاية متروك لأصحاب الشأن.